في جل خطابات الرئيس محمود عباس التي يلقيها بمجلس الأمن الدولي، تنهال بسرعة التعليقات المنتقدة والغاضبة لما يورد في فحواها، من قبل حركتي حماس والجهاد الإسلامي وجزء من فصائل المنظمة، وكان آخر خطاب في ضوء إعلان "صفقة القرن".

هذه الحالة تتجسد حقًا بجميع خطابات الرئيس بالمؤسسات الدولية والعربية، ويقابلها حالة من الرضى التام على أي ورقة خطاب، بما فيها الورقة من كلمات وفواصل ونقاط، وهنا المقصود بالطرف الراضي (حركة فتح وأعضاء من المنظمة المواليين للرئيس).

وما يُثير غضب ذلك الطرف، هي لغة "المفاوضات والسلام والاستنجاد"، كونها لغة يٌصر عليها الرئيس منذ ترؤسه للسلطة الفلسطينية عام 2005، لاسيما بعد وصول خيار التفاوض والتسوية السياسية إلى طريق مسدود منذ سنوات، في ظل تمدد استيطاني رهيب في الضفة الغربية وسيطرة إسرائيلية على القدس، وعزل قطاع غزة، وانحياز أمريكي أعمى لإسرائيل، وصمت عربي ودولي، جميعها ضربات مميتة تؤثر في مفاصل القضية الفلسطينية.

انتقاد ممزوج بمطالب

وحين حصلت "الوطنية" على تعليق "حماس"، وجدت أن الأخيرة انتقدت الخطاب هذه المرة بأسلوب أقل حدة، دون أن تفصح عن النقاط التي قد تعجبها وتتماشى معها، واكتفت بعدة مطالبات، أبرزها: اتخاذ خطوات حقيقية وعملية على الأرض لمواجهة صفقة القرن".

وباقي المطالب التي جاءت على لسان المتحدث باسم الحركة، حازم قاسم، خلال حديثه الخاص مع "الوطنية"، تتمثل على النحو الآتي: على السلطة والقيادة الفلسطينية اتخاذ موقف حاسم من الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، والتحلل منها وعلى رأسها التنسيق الأمني، وكذلك على الرئيس أن يستجيب لمطالب الكل الوطني بضرورة عقد لقاء قيادي مقرر يستطيع أن يصيغ استراتيجية نضال وطني يشارك بها الجميع من أجل مواجهة تداعيات صفقة القرن.

حركة الجهاد الإسلامي لخصت انتقادها دون مطالب أو تمنيات أو دعوات، حيث اعتبرت الخطاب بأنه "مخيب للآمال"، وقال القيادي فيها خضر حبيب:" الخطاب لم يأتِ بجديد على عكس ما كنا ننتظره"، وأضاف:" الرئيس كرر مواقفه السابقة، ولا زال يقف ويُصر على الوقوف في ذات المربع".

" متمسك بنهجه"

واستغل الرئيس وجوده في نيويورك ومقر الأمم المتحدة، وقرر أن يعقد مؤتمرًا صحفيًا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، والمعروف بفساده الأخلاقي والمالي، إيهود أولمرت، لكن هذا المؤتمر لم يكن صدفة بل كان محضرا له، خاصةً بعد رشح معلومات عنه في الإعلام قبل أيام.

وفي المؤتمر الصحافي المشترك، الرئيس عباس وصف أولمرت، بـ "الصديق"، وقال إنه يعرفه منذ زمن وعمل معه من أجل السلام"، متطرقًا لكلمته المطولة في مجلس الأمن، قائلاً إنه متمسك بالسلام على أساس الشرعية الدولية والمرجعيات الدولية المحددة وصولاً إلى تحقيق مبدأ حل الدولتين على حدود عام 1967.

وفي رحم الحديث عن المؤتمر، سُئل القيادي في الجهاد خضر حبيب عنه، وقال في كلمات معدودة، إن الرئيس احتفل بلقائه مع "مجرم الحرب أولمرت"، فيما آثار سخط الفلسطينيين الذي ترجم على المنصات الاجتماعية، كون أولمرت ارتكب جرائم ضد الإنسانية الفلسطينية مثل غيره من الإسرائيليين الذين ترؤسوا حكوماتهم، إذ تفاوض مع السلطة الفلسطينية لسنوات حول حل نهائي، دون نتيجة قبل أن يدان بتهم فساد.

Image

 

 

تاريخي

وعن الطرف المؤيد الذي قصد سلفًا، أراد أن يعتلي في هذه المادة الصحافية، الرجل الثاني في "فتح" محمود العالول، والذي وصف الخطاب بأنه تاريخي ومفصلي، مكملاً ثنائه:" كان تاريخيًا أيضًا جراء الحراك الجماهيري الداعم للرئيس والملتف حول خيارات القيادة".

وخلال لقائه على شاشة "تلفزيون فلسطين"، أشار العالول إلى أن الرئيس أكد في مجلس الأمن ضرورة تحمل المجلس مسؤولياته وتطبيق قراراته، معتبرًا أن الرئيس كان حاسما في خطابه، خاصة حينما دعا لتشكيل آلية دولية من أجل إيجاد الحل، وأكد الرفض الفلسطيني بأن تكون الولايات المتحدة الأميركية وسيط وحيد كونها طرفًا غير عادل والتي أصبحت شريكا للاحتلال.

 

نعومة الرد

ورد دبلوماسي عبرت عنه الجبهة الديمقراطية إزاء الخطاب الأخير والمغاير، نظرًا لحضور "صفقة القرن" إلى ساحة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث أكدت الديمقراطية، رفضها لخطة ترمب أو التعاطي معها، مع تأييدها بالكامل على تمسك الرئيس بقرارات الشرعية الدولية، والاشتباك مع الصفقة ميدانيًا.

ويقول القيادي في الديمقراطية، عصام أبو دقة:" نحن نقف مع الرئيس وبجانبه في محاربة صفقة القرن"، داعيًا الرئيس إلى اتخاذ خطوات أخرى متعلقة بترتيب البيت الداخلي، واستعادة الوحدة وإنهاء الانقسام، والذهاب إلى حوار فلسطيني على مستوى الأمناء العامين، للاتفاق على استراتيجية سياسية وكفاحية تكون بحجم آمال وطموحات الشعب الفلسطيني.

وكان عباس وصف في خطابه الصفقة الأمريكية بأنها تتنكر لقرارات الشرعية الدولية وتقضي على حل الدولتين قائلاً" لا يمكن أن تكون أساسا لأي مفاوضات تقود لسلام منشود لذلك رفضناها وجرى رفضها من قبل منظمات ودول العالم".

الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، يرى أن التوجه إلى مجلس الأمن كان معلومًا، وإنه لا يعني أن الجسم السياسي الفلسطيني سيحصل على قرار إدانة صفقة ترمب، ولا حتى قرار يمس بالولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل، مع الإشارة إلى أهمية التوجه إلى هذا المحفل (مجلس الأمن).

وكان لا بد من الذهاب إلى مجلس الأمن وثم الجمعية العامة للأمم المتحدة والمحافل الدولية، بالرغم من عدم التوقع بالحصول على قرار، وفق عوكل.

ويكمل شارحًا للنقطة التي سألتها "الوطنية": ترى إسرائيل في الرئيس أنه عقبة أمام إمكانية تمرير الصفقة، وتراهن على أن هناك من سيقبل بها، لكننا أمام صراع جدي وحقيقي، فالولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان إلى فرض هذه الخطة على أرض الواقع، وعلى الفلسطينيين شحذ الهمم لمواجهتها.

ولم يقلل المحلل السياسي، حسام الدجني، من أهمية إدانة الصفقة في مجلس الأمن، حتى لا تعتبر أنها مرجع لعملية السلام، وبذلك تلغي كل قرارات الشرعية الدولية التي تدعم الحق الفلسطيني. وقال إن الإدانة مسألة مهمة لكن غير كافية، والمطلوب أن يكون هناك وحدة وطنية وموقف عربي لمواجهة الاحتلال وتمدده في الشرق الأوسط.

وبرفضه "صفقة القرن" وعدم قبوله بكل إجراءات الإدارة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، كان واضحًا سواء في خطابه أو مؤتمره الصحفي مع أولمرت، لكن النقاط المكررة للعام الجديد التي تحدث عنها الرئيس ولاقت انزعاجًا وغضبًا من بعض الفصائل الفلسطينية والأوساط السياسية، وجزء كبير من الشعب الخاضع لأطول احتلال في التاريخ، ستختم هنا وتسطر حرفيًا من لسان الرئيس على شكل نقاط:

-مستعدون لاستكمال المفاوضات من حيث انتهت، على أساس قرارات الشرعية الدولية، وليس على أساس خطة الضم الأمريكية الإسرائيلية.

-أيا كانت الأوضاع بيننا وبين الإسرائيليين لن نلجأ إلى العنف، نؤمن بمحاربة الإرهاب، ولدينا 83 اتفاقا دوليا لمحاربته، ونعبر عن مواقفنا من خلال المقاومة الشعبية السلمية.

-يداي ممدودتان للسلام وللرجال الذين يريدون تحقيقه، برعاية دولية وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية.

 

المصدر : الوطنية - ليث شحادة