من الصعب فهم العقلية السياسية الباهرة التي تتمتع بها حركتا "فتح وحماس" في إدارة الخلاف والصراع الحزبي بينهما طيلة سنوات الانقسام الفلسطيني، بينما الفلسطيني لم يفهم سوى أنهما يملكان سجلاً رهيبًا من الحوارات والاتفاقيات الفاشلة.

وعقليتهما هذه أولدت شهوة استعراضية لإجراء الانتخابات العامة من المفهوم الديمقراطي أنها استحقاق قانوني ودستوري غائب عن الشعب من عام 2005( الرئاسي)، ومن عام 2006(البرلماني)، ومن المفهوم الاعتقادي من وجهة نظر "فتح" أن الانتخابات المخرج الوحيد لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة. في المقابل لدى "حماس" وجهة نظر متقاربة نوعًا ما من حيث المبدأ، وهي أنها مع الانتخابات العامة (رئاسية وتشريعية ومجلس وطني) زرمة واحدة، بتوافق وطني قبل العزم نحو إجرائها.

هاتان الوجهتان، خلقتا جَوّ من التنافر وعمتا على صفحات الفلسطينيين عبر فيسبوك وتويتر، بين مؤيدين ومعارضين لها، وآخرون اتسموا بنفسٍ هادئ وأرادوا فقط الحل، سواء بالانتخابات الشاملة أو مصالحة مهما كان ما يتم تطبيقه أولًا.

وبالعودة إلى العام الماضي وتحديدًا شهر ديسمبر، أعلن الرئيس محمود عباس أن المحكمة الدستورية أصدرت قراراً بحل المجلس التشريعي والدعوة لإجراء انتخابات تشريعية خلال ستة أشهر، وأنه سيلتزم بتنفيذ هذا القرار فورًا، وإلى الحين لم تجرٍ الانتخابات التشريعية، نتيجة رفض حماس لها، والتي اعتبرت أن القرار مخالف للقانون الأساسي الفلسطيني، وأصرت على عقد جلسات المجلس التشريعي في غزة إلى يومنا هذا، كونها تشكل الأغلبية فيه بحكم الانتخابات الأخيرة.

الانتخابات التي استقرت في تقرير سابق أعدته "الوطنية" قبل مدة زمنية وجيزة، تحت عنوان مجازي وهو" الانتخابات الشاملة.. صيد في مياه الانقسام العكرة!"، لأجل تقديم صورة حقيقية عن حالة الفلسطينيين الداخلية وما آلت إليه الأمور جراء الانقسام. فالانتخابات طلت هذه المرة على منصة الأمم المتحدة وأمام العالم على لسان الرئيس، رغم أنها شأن داخلي، وسط نية جادة منه لبسط الحياة الديمقراطية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، حيث أرادت حنجرته إثبات أن الشعب الفلسطيني يؤمن بالديمقراطية والتعددية السياسية ومتحضر ومثله مثل غيره من الشعوب المستقلة.

(رغبة بعد خجل)

والسياسي الفلسطيني المخضرم، نبيل عمرو، لمَسَ بحكم حنكته السياسية وقراءته لما يدور في نفوس أصحاب القرار، لقربه منهم، الرغبة الجادة التي وضحت سلفًا، وقال لـ "الوطنية"، إن هناك رغبة حقيقية بإجراء الانتخابات العامة، على أن تكون "الرئاسية" منفصلة عن "التشريعي"، في ظل إجماع فلسطيني داخلي ودولي حولها. فهو يعتقد كالكثيرين من الشعب وقواه السياسية على أنها ستعمل على تفكيك الحالة المستعصية نتيجة تباعد المصالحة ووجود شعب منقسم ونظام سياسي متهالك، معللاً أن الانتخابات ستكون طبقة سياسية جديدة، تكون قادرة على مجابهة التحديات الثقيلة التي تعصف بالقضية الفلسطينية. وطالب عمرو بلغة "البرود" في الحديث عن الانتخابات، بالتريث قليلاً في الحديث عن احتمالية إتمامها أم لا، انتظارًا للقرارات النهائية والمراسيم الرئاسية بهذا الشأن، وعدم التطرق إلى الماضي.

وعقب عودة الرئيس من جولته الخارجية، توالت الاجتماعات على مستوى تنفيذية منظمة التحرير والقيادة ككل في رام الله، وكان فحواها التأكيد على حتمية إجراء الانتخابات، وإصدار  تكليف لرئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر بالبدء في تهيئة أجوائها والذهاب إلى غزة للجلوس مع حماس لإحداث تغيير في رأيها السابق، وأخذ موافقة خطية منها وهي:" نعم موافقة على إجراء الانتخابات التشريعية ثم تليها الرئاسية، مع ترك المجلس الوطني للتوافق الوطني فيما بعد".

ويبدو أن الرئيس وقيادة السلطة باتوا يشعرون بالإحراج من رؤساء العالم ولاسيما من أصدقائهم الأوربيين لغياب الحياة الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية منذ 13سنة، وهذا ما أوضحه  في حديثه للوطنية، الكاتب السياسي، والدبلوماسي الفلسطيني، علاء أبو عامر، الذي قال إن زيارات الرئيس الخارجية في الآونة الأخيرة كان يكسوها مطلب جلي الوضوح، وهو:" اتحدوا أيها الفلسطينيون واجمعوا صفوفكم  عبر الانتخابات، لكي تستطيعوا أن تقفوا في وجه الصفقة الأمريكية والمبادرات التي من شأنها أن تصفي قضيتكم، مذكراً بما اعترف به رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حول إدخال المال القطري لحماس، لغرس الانقسام الفلسطيني أكثر فأكثر بقوة في الأرض.

(شهية حماس مفتوحة نحو الرئاسة)

 

اندفاع "حماس" نحو الرئاسة بشهية مفتوحة ومعرضة لاحتمالات عدة، ليس مدهشًا هذه المرة بحجم تصاعد خصامها السياسي مع "أبو مازن" ومطبخه برام الله. كأنها تواقة أكثر من أي وقت مضى لإزاحة كرسي الرئاسة من تحت أرجل قادة فتح، إذ تستغل حماس الصراع والانقسام الداخلي في تنظيم الراية الصفراء تارة، وتقاربها الحميم مع بعض التنظيمات اليسارية مع عدم نسيان حركة الجهاد الإسلامي القريبة منها تارة أخرى.

أبو عامر أكد أن حماس جاهزة على الدوام للانتخابات العامة، لاعتبار أنها تنظيم حشد بالدرجة الأولى وليس تنظيم فكري، وأن لديها طاعة مطلقة لدى أعضائها بدعم أي مرشح أو تجهز دعماً خفياً أو مباشراً له، مبيناً أن حليفتيها قطر وتركيا تريدان منها الانخراط في النظام السياسي الفلسطيني بشكل فعال وجدي.

فهو يظنّ أنها مبتعدة عما يسمى محور المقاومة بسبب خلافها مع نظام الأسد وضعف العلاقة مع حزب الله والتي لم تعد كما في الماضي، وكذلك هي مضطرة أن تختبئ تحت عباءة النظام الفلسطيني بألوانه، وأن تقبل بالمشاركة السياسية وشعورها بأن الرهان على المال القطري غير مجدي، وغيرها من التطورات المتلاحقة التي قد تؤثر عليها مع مرور الوقت.

فماذا سيحصل لو ذهب فكر الفلسطيني بعيدًا، وتهيئت الأجواء وبدأت الانتخابات فعلاً، وكيف سيكون الصراع الانتخابي؟ يجيب الباحث السياسي أبو عامر، قائلاً:" سيكون الصراع بين التيارين: الوطني والإسلامي، أي الصراع بين قائمتي فتح وحماس، مع ترشيح بعض المستقلين، والناس ستصوت لإحدى الحركتين وتختار الأسماء القوية".

( فتح تعلمت من أخطائها)

وحول مدى قدرة "فتح" على الحسم، أوضح أن الحركة تعلمت من أخطائها ومن تجاربها السابقة، معتقدًا أن "فتح" ستتوحد ولن يؤثر عليها الصراع الداخلي، وقال إن "فتح" ستكون أكثر ذكاءً في الانتخابات المقبلة، وستكسب ود ورضى اليسار.

وعن الشخصية البارزة التي لاقت استحسانًا لمنصب الرئاسة، سُئل أبو عامر: هل سيلاقي محمد دحلان دعمًا من حماس ليصبح رئيسًا؟، أجاب:" اعتقد أن دحلان لن يحرق نفسه بهذه الطريقة، أو أن يقبل تياره بالخروج من فتح، وإذا دعمته فعلاً ضمن تحالف سيخسر قاعدته الشعبية"، وحول القضايا التي رفعت ضده في رام الله، رأى أن فتح وأشخاص سيقدمون طعناً ضده والعكس، مع وجود محكمة قانونية مستقبلية بهذا الشأن.

وجاء المستشار السابق في حكومة هنية، أحمد يوسف، ليقر بصعوبة تخلي "أبو مازن" عن منصب الرئاسة بسهولة، مقتنعًا بإجراء الانتخابات التشريعية على أساس أن لها وزناً وقيمة أكبر من الرئاسة، كخطوة هامّة تلقى رضى وتوافقاً وطنيًا، لأجل الذهاب إلى انتخابات رئاسية ومجلس وطني، مشيراً إلى موقف حماس الرافض لها، وتعاظم الشكوك والتردد بين الطرفين.

ويعتقد يوسف، أن "حماس" لم تناقش حتى اللحظة أو تطرح الشخصية التي ستكون مهيأة لمنصب الرئاسة، لكنها ستبحث عن شخص يتسم بوطنية مطلقة، ويحاط به توافق وإجماع وطني، كون منصب الرئاسة غير صالح لها، بسبب وضعها أمام بعض الدول الأوروبية، التي وضعتها على قوائم الإرهاب والتطرف، متسائلاً:" كيف لها أن تنال رضى الإقليم؟"

الكاتب السياسي- المنتمي فكريًا لحماس، أحمد يوسف، استبعد انتخاب المواطنين شخصية من حركتي فتح وحماس، قائلاً:" ثلاث أرباع الشارع لا يرغب بشخصية من كلتا الحركتين، وإنما يرغبون بشخصية مستقلة".

وأُجلت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية للسلطة الفلسطينية عدة مرات بسبب النزاع السياسي بين فتح وحماس والذي بدأ من عام 2007 والمستمر إلى يومنا هذا.

ويشار إلى أن انتخابات الرئاسة الفلسطينية 2005 هي أول انتخابات رئاسية بعد رحيل ياسر عرفات، و ثاني انتخابات رئاسية منذ تأسيس السلطة وإجراء انتخابات الرئاسة الفلسطينية 1996، جرت الانتخابات في التاسع من يناير، و انتخب لأول مرة سكان الضفة الغربية و قطاع غزة و القدس الشرقية، و تنافس على الرئاسة الفلسطينية 7 مرشحين، فيما قاطعت كل من حركة حماس و الجهاد الإسلامي الانتخابات، و بلغ عدد الناخبين 802,077 ناخب، وقد فاز حينها محمود عباس في الانتخابات بنسبة 62.52%، ليكون الرئيس الثاني للسلطة، وفق الأرشيف الرقمي" واي باك مشين".

المصدر : الوطنية - ليث شحادة