في ظل ما نعيشه من واقع يغيب عنه أدنى مقومات حقوق الانسان، وتنتشر فيه الانتهاكات والحروب، كان المهرجان الدولي لوثائقي حقوق الانسان بالرباط، والذي تم عرض من خلاله نماذج لقصص انسانية مميزة، فللوقوف على حيثيات هذا المهرجان كان الحوار مع المدير التنفيذي للمهرجان نبيل غزة: 

كيف كانت فكرة التأسيس للمهرجان؟

المهرجان الدولي لوثائقي حقوق الإنسان بالرباط، مهرجان سينمائي متخصص في الأفلام الوثائقية التي تعالج تيمات حقوق الإنسان، تأسس سنة 2011 من طرف مجموعة من المناضلين آمنوا بأهمية الفيلم الوثائقي في النهوض بالحقوق والحريات لقضايا متداخلة تحتاج إلى توسع في النقاش من أجل التعايش بين الثقافات والحضارات ومناهضة الإرهاب والعنف واحكام الاعدام والتعسف واستبداد السلطة وتفشي الفوارق الاجتماعية وانتهاك حقوق الأقليات والفئات المضطهدة وإظهار معاناتهم.

 لقد آمن المؤسسون بأن هذا العمل لا يأتي إلا بتعزيز ونشر ثقافة حقوق الإنسان بعد التأسيس بطبيعة الحال لوعي معرفي وثقافي بأهمية هذه الحقوق، ويأتي الفيلم الوثائقي في صياغة هذا المشروع كإحدى الوسائل وآليات التعريف على المعايير الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان ومعرفة الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان.

من هنا اتفق المؤسسون للمهرجان على أهمية الفيلم الوثائقي بصفة خاصة (ودور الصورة بصفة عامة) التي تصور الواقع والحقيقة وتعرفنا بالماضي وتصور لنا الحاضر وتصلح لنا الأخطاء لنبني مستقبلا سليما، على اعتبار أن الأفلام الوثائقية التي تهتم بحقوق الإنسان تملك مقومات قد لا تمتلكها أنواع أخرى من أشكال الإعلام المختلفة، لأنها توثِّق شهادات حية للناس، ولها تأثير على سلوك الأفراد بإظهارها واقع ما يحدث، والعواقب المترتبة على أفعال بعض المنتهكين لحقوق البشر.

ماهي فكرة الدورة الثامنة وماهي وأهدافها ونتائجها؟

أهم ما ميز فعاليات الدورة الثامنة للمهرجان الدولي لوثائقي حقوق الإنسان التي انعقدت بالرباط عاصمة المغرب تحت شعار السينما لغتنا المشتركة أيام 28 -29-30 يونيو 2019، والتي ترأسها المخرج الفلسطيني الدانماركي ماهر حشاش، و تأطرت أهدافها ضمن الأهداف العامة التي يسعى إليها المهرجان منذ دوراته الأولى، التي هي المساهمة في إشاعة حقوق الانسان والحريات هو الاحتفاء بدولة فلسطين القضية الأم والقضية المركزية وتشريف الدورة بحمل اسم القائد الشهيد ياسر عرفات.

 لقد عرفت الدورة التي تم تنظيمها من طرف مركز الجنوب للفن السابع وتعاون الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان وجامعة القدس وشراكة المركز السينمائي المغربي مشاركة خمسة عشر دولة من بينها (المغرب، فلسطين، فرنسا، فلندا، لبنان، أوكرانيا، ايطاليا، مصر، تونس، العراق، سوريا، بريطانيا، السينغال، موريتانيا، الجزائر والإمارات)، كما عرفت حضور مكثف من الدبلوماسيين ورجال الأعمال وحقوقيين من المغرب وخارجه على رأسهم سفراء دولة فلسطين وفنلندا وصربيا والبارغواي والاردن والسفير جمال الشوبكي ووزير هيئة الأسرى والمحررين قدري ابو بكر. والمدير العام لمكتب ICFT UNESCO بالإضافة لعدد من شخصيات وازنة فلسطينية.

وقد توجت دورة المهرجان بإحراز فيلم (دياب) لمازن الشربيني من بريطانيا الجائزة الاولى وجائزة "اليونيسكو" أما الجائزة الثانية أحرزها المخرج السينغالي الفرنسي توماس جراند عن فيله poisson وذهبت الجائزة الثالثة جائزة لجنة التحكيم وجائزة الجمهور للمخرج الفلسطيني حمادة حمادة عن فيلمه الباص ١٧.

وقد انتقيت الأفلام بعناية فائقة من قبل لجنة التحكيم المؤلفة من رئيس لجنة التحكيم المخرج والمنتج الفرنسي اودي رووس Ody Roos والمخرجة والممثلة الدنماركية من أصول مصرية أماني ترك Amany Turk والمخرج والمصور الإيطالي أرريجو باربجليو Arrigo Barbaglio ، وجورج دوبون Georges Dupont مدير مكتب ICFT UNESCO .

كما كرم المهرجان في هذه الدورة الشهيد ياسر عرفات والتي تسلمها وزير هيئة الأسرى والمحررين قدري ابو بكر وجائزة التميز للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الانسان في جنيف والتي تسلمتها مدير المركز ندى نبيل.

وكذلك كرم المهرجان المخرج المصري عبد العزيز الجمل ومن المغرب لحسن الشطيبي وخالد السفياني وبنجلون الأندلسي والسفير السابق المصور السلوفيني DAMJAN Prelovsek .

هل كان من معيقات تواجهكم في تنظيم المهرجان وما هي الايجابيات والسلبيات التي كانت في هذه الدورة؟

بدون شك فالدورات الأولى حملت كثيرا من التحدي وكثيرا من التعب ،لكن مع هذا الجهد والتعب كانت هناك بهجة ووهج لأنك تقدم شيئا تأمن به وغير مسبوق في الموطن الدي تأسس به المهرجان وهي منطقة كلميم بوابة الصحراء مع توالي الدورات و نقل المهرجان للعاصمة الرباط أصبح الامر سهلا  لتواجد بنيات وهياكل استقبال متنوعة ومطارات دولية قريبة كدلك مع مرور الدورات اكتسبنا خبرة واستفدنا من التراكم واصبح معنا مخططات على الاوراق وخبرة ثماني سنوات ورصيد وأشياء كثيرة تبني عليها مع حرصنا مع كل دورة على التنظيم بنفس الوهج والحماسة الموجودة في الدورة الأولى.

لا يمكن ان نسميها سلبيات ولكنها صعوبات تتعلق بالظروف العامة التي تمر منها القضية الفلسطينية والتكالب عليها، لقد اخترنا توجهنا المنحاز لحقوق الانسان وقضايانا الانسانية لم نهتم او نبالي بانسحاب مستثمرين وداعمين للمهرجان في آخر لحظة دون الوفاء بالتزاماتهم عند علمهم بان الدورة ستخصص لفلسطين، لقد تدبرنا الدورة بالخطط البديلة دون ان تتأثر الاهداف المسطرة.

كم عدد الدورات التي ترأستها منذ الفكرة وهل لا زلتم تطمحون للتطوير والوصول للعالمية في النوعية والرسالة تحدث لنا عن ذلك؟

أنا لا أتصورأنه يوجد مهرجان سينمائي باستثناء الذي له سبعين سنة مثل كان وتورنتو وفينيزيا، والتي لها مستقبل فاعل على السينما العالمية وهناك مهرجانات قليلة بدأت منذ حوالي عشرين إلى ثلاثين سنة استطاعت أن تكون لها مكانة مثل مهرجان "اوتاوا وساندوس وبوسان" حيث تتواجد سوق للسينما العالمية وصناعة سينمائية مهمة، في المقابل ومع الأسف الشديد نحن في العالم العربي كله، في الحساب الاقتصادي والسينمائي لا نشكل إلا جزء بسيط لكن مع ذلك فهناك مهرجانات عربية استطاعت أن تكون لها مكانة واعتقد أن المهرجان الدولي لوثائقي حقوق الإنسان بالرباط له القوة والطاقة ومدعوم من طرف الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان وهي هيئة لها حضور قوي لذلك باستطاعته أن يكون مهرجانا مشهورا عالميا وله قوة استقطاب دولية ليس من الدورة الثامنة فقط بل منذ الدورات الأولى لاحظنا تميز ونوعية في طبيعة اللجان المحكمة خبراء ودول مختلفة.

 كيف يتم اختيار اللجان المحكمة للأفلام والمعايير وهل يوجد محاباة في اختيار الافلام؟

تعتبر لجان التحكيم سواء لجان الاختيار الأولي او المسابقة الرسمية في دورات المهرجان الدولي لوثائقي حقوق الإنسان بالرباط (عين) تشاهد وتحلل وتقيم الأفلام الوثائقية المشاركة، من خلال معايير وأسس فنية وحقوقية بعيدة عن أية مجاملة، وتمنح الجوائز لفروع مختلفة أهمها (الإخراج، السيناريو، الموضوع … ) والتي تدفع إلى المنافسة في الإبداع، ما يزيد من ثراء السينما الوثائقية بأعمال متميزة، تصنع للمهرجان قيمته وتعلي من شأن الفن السابع صناعة وفنا وانجازا.، وتبرر لجان التحكيم في تقارير تقدم في حفل إعلان النتائج سبب فوز هذه الأعمال الوثائقية، وما الذي دفعها لإعطاء أفلام دون أخرى جوائزها الأمر قد يبدو سهلا، لكن ، بخلاف الواقع أن المناقشات التي تستمر لساعات كي تحسم الأسماء الفائزة في وقت صعب، يزيد من صعوبته تنوع ثقافة أعضاء اللجان وجنسياته ومدارسهم ومذاهبهم، لذلك تحرص إدارة المهرجان كل سنة لوضع لائحة مسبقا وقبل شهور من موعد الدورة للجان التحكيم تفاديا للعشوائية في اختيارها.

 بالتركيز على المخرجين ممن لهم رصيد فني وخبرة تجعله في درجة محكم، وكذلك الحرص ان تضم اللجان أصحاب الخبرة (الناقد وكاتب السيناريو والمصور السينمائي والمونتير ومهندس الديكور والإضاءة ومبدع الموسيقى التصويرية ومؤثرات الصوت والصورة والحقوقيين).

في الدورة الثامنة اي الافلام أثرت بك وشعرت بحالة انسانية وظلم يقع على تلك القصة، تحدث لنا عن نموذج لفلم أثر بك خلال الدورات الثمانية؟

بالتأكيد كل الأفلام التي يتم اختيارها وفي جميع الدورات سواء للبانوراما أو المسابقة الرسمية، هي روائع سينمائية بدرجات متفاوتة وقد يكون التفاوت في قيمتها السينمائية وخاصة حينما تكون بدون سيناريو مسبق في لحظات تاريخية لا تستطيع الذاكرة الإنسانية أن تحفظها بكل تفاصيلها كنموذج الثورات العربية والقضية الفلسطينية، والمثير ان يكون عددا ممن رأيناهم بتلك الأفلام قد غادرونا لدار البقاء ومهم جدا عرض أفلامهم لتحقيق الإنصاف والعدالة الانتقالية.

وختم نبيل غزة الحوار بإجابته عن سؤال ما إذا كان الدور كحقوقيين ينتهي بانتهاء كل دورة ام يسعى الحقوقيون لرفع دعوة ضد منتهكين حقوق الانسان؟

ما يميز المهرجان الدولي لوثائقي حقوق الإنسان بالرباط انه يتجاوز عرض المشاكل القائمة في العالم عبر الافلام المشاركة خلال أيام المهرجان الى المساهمة ليس كهيئة حقوقية منظمة للمهرجان فقط بل يسعى كل عام لتوسيع تعبئة قطاع واسع من الناس على بدء التفكير في كيفية انتقالهم من مجال التلقي السلبي الى دائرة الفعل الايجابي من خلال المساعدة بمختلف الطرق للناس الاخرين الذين يعانون خروقات حقوق الانسان باي مكان عبر الدعم المعنوي المادي او المساعدات الانسانية او تنظيم المبادرات.

 

 

المصدر : الوطنية