يأتي إعلان الرئيس محمود عباس، مساء الخميس الماضي، بوقف كافة الاتفاقيات الموقعة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، بالتزامن مع هجمة غير مسبوقة من استهداف الحجر والشجر والإنسان والبنيان ووضع اقتصادي ومعنوي وسياسي تمارسه القيادة السياسية الإسرائيلية والإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترمب ضد القضية الفلسطينية.

الملفت أن القرار حظي باستحسان استثنائي وجدي على الصعيدين الشعبي والوطني رغماً عن نتائجه التي يمكن وصفها بـ"الكارثية" ميدانياً، خصوصاً مع إلصاقه بضرورة التحرك جدياً لإنهاء ملف الانقسام، حسبما أعلن الرئيس خلال جلسة عاجلة للقيادة برام الله.

التلويح "الشكلي" المتكرر للرئيس والقيادة الفلسطينية بتطبيق مثل هذه الخطوة عدة مرات وفي أكتر من مناسبة، يدلل على احتمالية القبول بما يخالف منهاج العمل السياسي السلمي المعتاد كخيار أخير أمام العالم، خصوصاً مع عدم التزام إسرائيل بأي اتفاق أو احترام لأي ميثاق دولي.

ففي 13 ايلول/ سبتمبر من العام 1993 وقعت منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل" اتفاق "أوسلو" للسلام في البيت الأبيض بحضور غالبية زعماء دول العالم، وكان الموقع حينها الرئيس عباس بصفته أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ونص الاتفاق على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي لفترة لا تتجاوز خمس سنوات.

وشكلت هذه الاتفاقية الرئيسية غطاءً لعدة اتفاقيات بين الطرفين، منها اتفاقيات تتعلق بالمياه والكهرباء والتنسيق الأمني والنواحي الاقتصادية، وأيضاً إجراء انتخابات لاختيار رئيس للسلطة الفلسطينية ومجلس تشريعي.

السلطات الإسرائيلية ومع فجر يوم الاثنين 22 يوليو 2019 ارتكبت جريمة بهدم حوالي 12 بناية لفلسطينيين في وادي الحمص ببلدة صور باهر جنوب القدس، والتي تعتبر أحد المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، ما أدى إلى فقدان عشرات الفلسطينيين لمنازلهم، فيما بررت سلطات الاحتلال ذلك، كون المنازل قريبة من الجدار، الأمر الذي لاقى تنديدا فلسطينياً واسعاً عقدت القيادة الفلسطينية على إثره اجتماعات مكثفة ومنها الاجتماع الذي أعلن فيه الرئيس قراره.

وسط ذلك، استقرأت "الوطنية" عدة وجهات نظر وسط تباين المواقف الفصائلية من خلال كُتاب ومحللين سياسيين وحقوقيين ورجال قانون، حيث يرى عدد منهم أن القرار له معنى وطني قد يسهم في تحقيق المصالحة أو يعجل في تحريك الملف ويساعد الوسيط المصري في تقريب وجهات النظر بين طرفي الانقسام، فيما ينظر آخرون إلى كونه لا يتعدى المناورة الكلامية المعتادة لدى القيادة.

وتشير التقديرات إلى أن القرار يبدو منطقياً بل ووطنياً دون شك، كما أنه ينسجم مع مطالب قطاع واسع من الشعب وخصوصاً قوى المعارضة التي طالما نددت بهذه الاتفاقات وطالبت بإلغاء اتفاقية أوسلو ووقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بإسرائيل، كما أن القرار يأتي كخطوة متقدمة للتجاوب مع مطالب سابقة بحل السلطة ومع قرارات المجلس المركزي عامي 2015 و 2018 وقرارات المجلس الوطني.

وتؤكد هذه التقديرات أن التفكير الجدي والعقلاني عن إمكانية قطع العلاقات مع "إسرائيل" وإنهاء وجود السلطة، وما سيؤول إليه الأمر بعد التنفيذ فإن قلقاً كبيرا قد يخيم في الأفق لعدم امتلاك استراتيجية وطنية لمواجهة تداعيات إلغاء الاتفاقات.

وتطالب تلك الأوساط بإنهاء الانقسام وإعادة تفعيل وبناء منظمة التحرير لتشمل الكل الوطني، كون إلغاء الاتفاقات ستؤدي لحل السلطة في ظل الوضع القائم، مما سيؤدي لإطلاق يد إسرائيل في الضفة وقد تقوم بضمها أو ضم أجزاء كبيرة منها، وقد تصنع إسرائيل بدائل للسلطة لتحقيق الكثير من المخططات القديمة التي أسقطها الشعب الفلسطيني منذ زمن.

وبالرغم من الاختلاف في وجهات النظر كل حسب توجهاته إلا أن هناك الكثير من التأييد والالتفاف حول القرار، كونه متقدم من حيث التوقيت والمرحلة الحاسمة، إلا أن أوساط أخرى تنتظر ترجمته الفعلية على أرض الواقع.

وهذا ما سيفتح الباب على مصراعيه للوحدة الميدانية في ظل غياب الوحدة الفصائلية والبرنامج الموحد، وضعف البيئة الداخلية وتراجعها، وهو ما يعبر عن موقف السلطة الضعيف.

وكان المجلس المركزي لمنظمة التحرير قد قرر في أذار/ مارس 2015، تحميل سلطة الاحتلال مسؤولياتها كافة تجاه الشعب الفلسطيني في دولة فلسطين المحتلة كسلطة احتلال، وفقاً للقانون الدولي، ووقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع سلطة الاحتلال في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين.

يشار إلى أن عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" جمال محيسن قد صرح أن قرار القيادة بحاجة في جوانب متعددة إلى قيام لجنة لمعالجة القضايا الأمنية والاقتصادية، مضيفاً "نحن وقعنا اتفاق أوسلو وله جوانب عديدة، لكنه لم يجد الحيز للتنفيذ من جانب الاحتلال، وأصبح هناك تدمير للمشروع الوطني بعدم تنفيذ الاتفاقيات".

فيما يرى حزب الشعب، أن المضمون السياسي ومعنى القرار كرد سياسي على الجرائم المستمرة للاحتلال، والمعنى المباشر لذلك أن العلاقة القائمة بين "إسرائيل" والشعب الفلسطيني هي علاقة بين قوة احتلال وشعب يناضل من أجل الاستقلال وإنهاء الاحتلال.

كما واعتبرت حركة "حماس" القرار خطوة في الاتجاه الصحيح، لتوازيها مع متطلبات المرحلة الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وتصحيح لمسارات خاطئة لطالما حرفت المسار السياسي الفلسطيني أوصلت القضية الفلسطينية إلى هذه المرحلة الصعبة، وفق ما جاء.

المصدر : الوطنية - فادي بارود