ليس على غرار العادة، أن يقع اصطدام فعلي بين حركتي "فتح والجهاد الإسلامي"، ويغرق الساحة الفلسطينية الداخلية أكثر مما هي غارقة فيه، بفعل الخلاف الأساسي والعميق الذي ولد منذ سنوات بين "فتح وحماس".

ولا ينتج عن ذلك الاصطدام المفاجئ "خُدُوشٌ" في العلاقة فحسب، بل ربما يمزق اللحم الفلسطيني بشدة ويعري المتبقي!، إذا بقيت هذه الحالة المميتة بين القوى الفلسطينية فترة أطول.

فحرب التصريحات قد بدأت بين "فتح والجهاد"، بعد مشاركة وفد منهما، برفقة وفود أخرى من حماس وفصائل منظمة التحرير الأسبوع الماضي في اجتماعات حضنتها روسيا، لسبب أن الأخيرة رفضت التوقيع على البيان الختامي للاجتماعات وعدم رضاها على منظمة التحرير، ما أزعج الأولى وجعلها ترفض الجلوس مع أي طرف فلسطيني لا يعترف بالمنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.

الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، كان مشاركاً في اجتماعات موسكو، إذ كشف في حديث خاص لـ "الوطنية" عن سبب الخلاف الذي نشب بين "فتح والجهاد" في الدولة التي استضافت أكثر من لقاء فلسطيني.

وقال مجدلاني، إن موقف "الجهاد" كان واضحاً منذ البداية تجاه مجموعة من المسائل، وخلافها كان ليس مع "فتح"، بل مع كل الفصائل المجتمعة، فهي لم تبد استعدادها من حيث المبدأ في التعاطي أو الموافقة على بعض النقاط.

وعن نقاط التي كانت محل خلاف مع "الجهاد"، هي شكل منظمة التحرير ودولة فلسطينية على حدود (67) وعاصمتها القدس الشرقية وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم بحسب قانون الأمم المتحدة رقم (194).

بمجرد اعتراف "الجهاد" بمنظمة التحرير، ستقع في شروط اتفاق 2005، وهذا الأمر ليس منوطاً بفتح لوحدها بل الأمر متعلق بجميع الاتفاقيات التي وقعت بعد ذلك، حيث يرى مجدلاني أن "الجهاد" تتحمل مسؤولية عدم تطبيق تلك الاتفاقيات، منوهاً إلى أن مسألة اعتراض الجهاد، ليست مرتبطة بالأسلوب والوضع الحالي للمنظمة.

لكنه أكد عدم وجود تطابق في السياسة بين "حماس والجهاد"، حتى في حوارات موسكو، موضحاً أن حماس وافقت على البيان الختامي، بالإضافة إلى موافقتها على دولة (67) وحق العودة.

الكاتب والمحلل السياسي، علاء أبو عامر، كان له قراءة سياسية في موقف "الجهاد الإسلامي"، إذ كتب على موقعه عبر فيسبوك:" تفسير حركة الجهاد في شق منه صحيح، حق العودة هو حق للعودة إلى الأراضي التي احتلت عام ٤٨ وهي دولة إسرائيل، فالقرار لا يلغي دولة إسرائيل بل يؤكد على وجودها، ولكن تنفيذ القرار إن تم، يعني بشكل أو بأخر نسف وجود إسرائيل ذاته ونهاية الصهيونية"، متسائلاً: "لا أدري.. هل حديث الجهاد، هو حديث وعي أم مناكفة سياسية فقط؟ ".

وأضاف أبو عامر، قائلاً:" في النهاية إذا كان لدى حركة الجهاد وحلفائها قدرة على إنهاء إسرائيل عسكرياً فبلا منه حق العودة أما إذا كان ما اتفقت عليه أنا والشيخ خالد البطش في احدى الندوات أن نهاية إسرائيل ستكون بالنقاط لا بالضربة القاضية، عندها يكون حق العودة إن تم هو كل النقاط".

ووصف موقف "الجهاد" بالغريب، موضحاً أنه بحاجة إلى تفسير، ورغم أنه ظاهرياً فيه منطق من مبدأ الاعتراف، ولكنه مبدأ فيه قول كثير.

وعجزت الفصائل التي اجتمعت في موسكو، على الوصول إلى صيغة توافقية بشأن البيان الختامي، نظرًا لعمق الخلاف الذي حصل هناك، والذي أكل من الوقت ساعات طويلة، ما جعل مسؤول روسي يطلب من ممثلي الفصائل الإسراع في التوافق على البيان، لأن قاعة الفندق محجوزة لأناس آخرين، وهذا الأمر أثار سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين.

 بينما وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" شعر بالغضب إزاء رفض حركتي "حماس والجهاد" التوقيع على البيان الختامي ، متمنياً من الفصائل الفلسطينية زيارة موسكو وهم متفقون وحالهم أفضل مما هم عليه الآن.

وقبل أيام، خرج عضو اللجنة المركزية لفتح ومسؤول العلاقات الوطنية فيها، عزام الأحمد، عن طوره فيما حدث في موسكو، وقال في سابقة هي الأولى من نوعها، إن الرئيس محمود عباس أصدر قراراً بعدم جلوس حركته في أي اجتماع تحضره حركة الجهاد، وذلك بسبب عدم اعترافها بالمنظمة.

وقتها، اتهم الأحمد، "الجهاد" بأنها قادت عملية رفض لأي اتفاق بالتنسيق والتحالف مع حماس، واصفاً إصرارها بالغريب والعجيب وغير المفهوم، وعن كواليس اجتماعات موسكو، قال:" أخبرناهم إن ديننا وقدسنا ومقدساتنا هي منظمة التحرير، لأنها هي التي تحمي القدس وحقوق الشعب الفلسطيني، وخضنا معارك وقدّمنا عشرات آلاف الشهداء والجرحى المناضلين في مختلف السجون عند الأنظمة العربية من أجل انتزاع هذا الموقف، وانتزعناه في قمة الرباط عام 1974، واعترف العالم بهذه الحقيقة ولا نريد أن نعود للخلف".

وحركة "الجهاد" التي تربطها علاقة حميمة بـ "حماس" والمنتقدة باستمرار لسياسة السلطة التي تقودها "فتح" في رام الله، ردت على تصريحات الأحمد، قائلةً في بيانها:" نحن تابعنا ما جاء على لسان الأحمد بأن الأخ أبا مازن قرر ألا يجتمعوا مع حركة الجهاد، طالما لم تعترف الجهاد ببرنامجهم السياسي".

فيما أكدت الحركة أنها لن تقاتل من أجل اللقاء مع الأحمد، وما يمثله من سياسات وبرامج لا تخدم الشعب الفلسطيني وتفرط بحقوقه، كما عبرت عن موقفها من أنها مع منظمة التحرير التي تتمسك بحق الشعب الفلسطيني، وأنها ستكون جزءًا منها بعد إعادة بنائها وفقاً لأسس سياسية وتنظيمية جديدة.

وبعد هدوء نسبي سبقه عاصفة من التصريحات الحادة، التي وزعت ما بين الأحمد وبين قادة ومتحدثي الجهاد الإسلامي، أصدرت حركة "حماس" ظهر اليوم، بياناً دافعت فيه عن "الجهاد"، مؤكدةً وقوفها بجانب "الجهاد" بصفتها حركة مجاهدة وأصيلة" داخل مكونات الشعب الفلسطيني.

ولم يخلو بيان "حماس" من الهجوم على "فتح"، فقد أدانت قرار الأحمد، وقالت إن "الإمعان في العداء لفصائل المقاومة من طرف حركة فتح عباس إنما يعكس العزلة التي يعاني منها هذا الفريق في رام الله، والتي حسمت أمرها تمامًا مع الاحتلال والتنسيق الأمني والحرب على المقاومة"، بحسب تعبيرها.

 

المصدر : ليث شحادة_ الوطنية