يُصر الرئيس محمود عباس، على تشكيل حكومة جديدة بتغليفتين، الأولى "فتحاوية" والأخرى "فصائلية" تتسم بالهدوء ولا تعارض سياسته منذ احكام قبضته على السلطة عام 2007، ونقل مركزية القرار إلى الضفة، بعد الأحداث الدامية التي وقعت في غزة بتاريخ ذلك العام.
فهذا الإصرار يبدو غريبًا ومتسارعًا بعض الشيء، فالجسد الفلسطيني ينزف على مدار اللحظة بفعل سهام الاحتلال والانقسام الداخلي، التي تطلق بأيادٍ قوية لا تعرف سوى الإصابات القاتلة لذلك الجسم المنهك منذ 12 عاماً.
هذا التوجه بدأت تتكشف ملامحه جليةً منذ فترة قصيرة، وعلى لسان أكثر من مسؤول في حركة فتح واللجنة التنفيذية للمنظمة، وقد قيل إن حكومة الوفاق الوطني التي شكلت بالتوافق مع حركة "حماس" عام 2014، لم تعد قائمة، ويجب العمل على تشكيل حكومة جديدة للخروج من المرحلة الانتقالية والانتقال إلى مربع الدولة.
لكن نائب رئيس حركة فتح محمود العالول، أسْدَل السِّتار ليكشف -لو قليلاً- مما يحضَّر داخل الغرف المغلقة في رام الله، إذ كشف عن تشكيل لجنة للحوار مع فصائل المنظمة لتشكيل الحكومة، مكونة من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح: حسين الشيخ، وروحي فتوح، وعزام الأحمد، وتوفيق الطيراوي، وأمين سر المجلس الثوري لفتح ماجد الفتياني، قائلاً:" لم نناقش خلال اجتماع المركزية أي اسم لتولي رئاسة الحكومة على الإطلاق، لكننا أخذنا توجهًا بالمبدأ لتشكيل حكومة فصائلية سياسية.
وما خرج به العالول، يفتح الباب أمام عدة تساؤلات، منها، ما الغاية من وراء تشكيل الحكومة بهذا التوقيت بالذات؟، ومن هي فصائل المنظمة التي سُتقحم فيها، ومن هو رئيسها؟، لا سيما أن قراءة المشهد الفلسطيني أصبحت ضبابية وغير مفهومة على الإطلاق.
الفتياني -الوارد اسمه في اللجنة-، قال إنه سيضع خلال الفترة القريبة المقبلة تقرير اللجنة أمام الرئيس محمود عباس، ومركزية فتح، للمضي قدمًا في تشكيل الحكومة، التي فرضتها "ظروف الانقسام، وتعنت حماس وإدارة ظهرها لحكومة الوفاق".
"فتح" بوضعها التنظيمي، وبصفتها الفصيل الأكبر في منظمة التحرير، من حقها أن تقول إنها تريد ترؤس هذه الحكومة، وبالتالي ليس معيبًا أن يكون رئيسها من اللجنة المركزية"، إنها كلمات الفتياني التي وردت اليوم على إذاعة "صوت فلسطين الرسمية"، والتي تبدو أنها تعبر حالة قوة، واستهتار بالفصائل الأخرى.
"حماس" الغاضبة من الرئيس، والتي وصفته بكلمات قاسية، وقالت إن ولايته انتهت، ولم يعد يمثل الشعب الفلسطيني، وقد زاد غضبها حين أعلن "أبو مازن" الشهر الماضي عن حل المجلس التشريعي التي تشكل "حماس" فيه الأغلبية، رفضت بعد التزامها الصمت طيلة الفترة السابقة، توجه "فتح" نحو تشكيل حكومة جديدة، معتبرةً أنه انتهاك جديد، ويهدف إلى تعميق الأزمة وإضعاف الجهة الداخلية الفلسطينية.
وهذه الحالة خلقت عجزًا كبيرًا في الفكر لدى الساسة الفلسطينيين، فالمحلل السياسي أكرم عطا الله كتب في مقال نشر اليوم كالآتي:" فكرة تشكيل الحكومة غريبة بعض الشيء خاصة أنها جاءت مفاجئة وترافقت مع الحديث الصاخب عن الانتخابات وجميعنا يعرف أنها لا يمكن أن تجري في غزة دون موافقة حركة حماس، إذن يمكن أن نعتقد أن هناك أكثر من سيناريو أمامنا ونحن نتأمل هذا المشهد المستجد".
والسيناريوهات التي ذكرها عطا الله، هي: إما أن فكرة الحكومة إعادة ترتيب للسلطة وفقاً لرغبة حركة فتح وإعادة السيطرة على كل شيء، أو أننا أمام حكومة لن تعترف بها حماس حسب المؤشرات، وبالتالي لن تعمل في غزة وتنحسر في الضفة، وتعيد حماس لجنتها الإدارية، وبالتالي نقترب أكثر من الفصل، وإما أن هذه الحكومة فعلاً هي حكومة الضفة وغزة، متسائلاً: كيف يمكن تصور ذلك، وهل هناك شيء يدور في الكواليس يتجاوز المرئي؟ ربما.
نية "فتح" ورئيسها، كانت واضحة من البداية، بعدما رفض عضو اللجنة المركزية حسين الشيخ في وقت سابق، إشراك "حماس" بأي حكومة قادمة، لأن ذلك من وجهة نظره يكرس الانقسام، ويعيدنا إلى انقسام آخر، متهمًا الأخيرة بأنها لا تؤمن بالشراكة، ومطالبًا بالذهاب إلى الخيار الديمقراطي والمتمثل بإجراء انتخابات، ومن يفوز فيها، يقود البلاد.
فيما رد نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري يوم الجمعة الماضي، على تصريحات الشيخ، بوصف سلوك قادة "فتح" بـ"اللا مسؤول"، وقال" ليس من حق أحد أن يقول إن حماس تكون أو لا تكون في أي حكومة قادمة، واتركوا الشعب يختار وليس أنتم".
التفرد والهيمنة بالقرار الفلسطيني، يزعج العاروري الذي أكد أن حركته لا تريد السيطرة بالقرار ولا الأغلبية، وإنما هي مع الشراكة مع الكل الوطني، حيث أبدى استعداد "حماس" للدخول في انتخابات (رئاسية وتشريعية ومجلس وطني)، بينما اتهم "فتح" بأنها لا تريد الخيار الديمقراطي.
وكانت حركة "فتح" أكدت للوطنية صباح اليوم الإثنين، تقديم رئيس الحكومة رامي الحمد الله استقالته للرئيس عباس خلال اليوم، في ظل الحديث عن تشكيل حكومة جديدة تضم فصائل من منظمة التحرير الفلسطينية.
وقال رئيس المكتب الإعلامي بمفوضية التعبئة والتنظيم، منير الجاغوب في اتصال هاتفي مع "الوطنية"، إن رئيس الحكومة رامي الحمد الله سيقدم استقالته، لافتًا إلى المشاورات لم تنته بعد مع فصائل المنظمة لتشكيل الحكومة وتحديد رئيسها.
بدوره، أكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة يوسف المحمود، أن رئيس الوزراء رامي الحمد الله يضع حكومته تحت تصرف الرئيس محمود عباس"، ناقلاً ترحيب الحمد الله وأعضاء الحكومة بتوصيات اللجنة المركزية لفتح القاضية بتشكيل حكومة جديدة.
وأثناء إعدادنا لهذا الموضوع، تواجد الحمد الله في بلدة بيت أولا بمحافظة الخليل، وأدلى بتصريحات خلال مشاركته في افتتاح بمركز وحيد العملة للطوارئ والولادة الأمنة، توحي بأنه يودع منصبه بهدوء، فإنه قال على غرار العادة، إن الحكومة اتبعت سياسة التقشف وتحديت الأزمة المالية وعملت على إعادة إعمار قطاع غزة.
واستذكر الحضور، أن حكومته قامت بإعادة 9 آلاف منزل من أصل 11 ألف منزل مدمر كلياً، وتم إصلاح ما يقارب 130 ألف منزل من المدمرة جزئياً، بالإضافة إلى تحملها كافة مصاريف الكهرباء والمياه رغم العقبات التي واجهتها وعدم تمكينها من العمل في غزة من قبل حركة حماس.
وختم حديثه قبل مغادرته المكان ويستقل سيارته ويرفع كف يده بوجه من ودعه، قائلاً:" لن تنجح كافة المحاولات لفصل قطاع غزة عن الدولة الفلسطينية، فلا دولة في غزة أو دولة بدون غزة، فالوقت ليس متأخرًا علينا من أجل إعادة الوحدة الوطنية".
المصدر : ليث شحادة_الوطنية