أضحى بيان التيار الإصلاحي الديمقراطي في حركة "فتح" الأخير، خيار سياسي يبدو أنه طل ما بين السطور ليس من فراغ، بل أنه نتاج طبيعي لعمق الخلاف الذي نعيش بظلاله لسنوات، ما بين "شرعية أبي مازن" و"التيار" بزعامة محمد دحلان من جهة ثانية.

فهذا الخيار المبهم في طياته والواضح بالنسبة للساعي إليه، أفرزته اجتماعات استثنائية عقدتها قيادة ذلك "التيار" في الفترة من 9 إلى 12 يناير/كانون الثاني، وذلك لبحث ومراجعة جميع التطورات الداخلية والوطنية والإقليمية وما يحيط بالقضية الوطنية من مخاطر جسيمة في ظل استمرار الانقسام الداخلي.

واستعد "التيار" لمد يده لكل القوى والشخصيات الوطنية، وصولاً إلى تشكيل تيار وطني جامع وحقيقي يمثل جميع التوجهات الوطنية الفلسطينية في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك خارج فلسطين لخوض انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، بحال تعذر عن المشاركة في الانتخابات وعلى كل المستويات.

لكنه أكد أن أولويته الأولى تنحصر جليًا في خوض الانتخابات على أساس حركي فتحاوي واحد موحد، كلما أمكن وأينما أمكن ومع إبداء كل المرونة اللازمة لتحقيق وحدة الحركة في المجال الانتخابي على أقل التقدير.

وهذه الجزئية لفتت انتباه الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني عن غيرها من الجزئيات التي وردت في بيان "التيار" الأخير والذي نشر قبل أيام، إذ قال الدجني إن أهم ما جاء في بيان التيار الإصلاحي رسالة الانتخابات وجوهرها إما أن تتوحد "فتح" أو المشاركة بتيار وطني عريض تعكس حالة دهاء "التيار" في التعاطي مع الخصوم السياسيين (فريق عباس).

وعبر صفحته على موقع "فيسبوك"، يرى الدجني أن ذلك البيان سيدفع الرئيس عباس للسير ضمن أحد المسارات الثلاث التالية: الأول: عدم إجراء الانتخابات تحت أي ذريعة متعلقة بالقدس أو غزة، وبذلك يناور هذا التيار بورقة دستورية المجلس التشريعي الحالي. الثاني: ذهاب الرئيس عباس للتراجع عن قرارات فصل النائب دحلان وتياره، وهذا ما يعمل على تحقيقه التيار.

أما الثالث من وجهة نظره: إجراء الانتخابات دون مصالحة فتحاوية داخلية وبذلك لو أحسن النائب دحلان اختيار التيار الوطني العريض فإنه سيحقق نتائج مذهلة تضمن للتيار شرعية دستورية وسياسية لدى الرئيس والسلطة الفلسطينية.

القيادي في "التيار الإصلاحي" النائب أشرف جمعة أوضح في حديث خاص لـ "الوطنية" إذا كان فعلاً "التيار" يريد الابتعاد عن حضن "الأم" وهي "فتح"، أم هنالك رغبة سياسية من تشكيل تيار وطني جامع وحقيقي في حال عطل ذلك المسعى الذي وضحناه سابقًا، لأسباب تتعلق بأهواء واختيارات الآخرين، حسب ما ورد في البيان.

وقبل أن ندخل في موضوعنا بعمق، تطرق الأول إلى شرح البيان وإعطاء ملخص وافي عنه، قائلاً إن البيان أكد على كل المحددات التي كان يتحدث "التيار" بها دائمًا، والمتمثلة بالمصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، وكذلك كل المبادرات المتعلقة بوحدة فتح أو المصالحة مع "حماس"، التي كان يطرحها دحلان وكل قيادات "التيار" باستمرار.

وفي ظل الظروف الراهنة، أشار جمعة إلى وجود تغيير فكري في عقلية "التيار"، بمعنى أن يكون هنالك تيار وطني جامع للكل الفلسطيني، بهدف إجراء حوار استراتيجي وتحديد آليات مستقبلية، ويمكن أن توجه الأخطار والتحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، وكذلك لمنع الاستقواء أو فرض رؤية طرف على طرف أخر، وصولاً إلى برنامج وطني متفق عليه يحمل أفكار سياسية ونضالية جديدة، بدون استثناء أحد.

وخلال الاجتماعات السابقة للتيار، كان هناك كلمة سياسية منفصلة من دحلان، الذي استعرض فيها الأوضاع الراهنة من كل جوانبها الحركية والوطنية والإقليمية، إذ طالب (أبو فادي) قيادة "التيار" بتدارس التطورات وإقرار ما يلزم من توجيهات وسياسات للفترة المقبلة.

وإلى ذلك، استمعت قيادة "التيار" إلى تقييم شامل من قبل القيادي سمير المشهراوي سلط فيها الأضواء على الجهود المبذولة في الساحتين الوطنية والإقليمية وسبل الخروج من الانسداد الوطني الراهن.

وقد يفهم البعض من البيان أن تيار دحلان ينوي تأسيس جسم منشق ومختلف عن حركة "فتح"، لكن جمعة أقر بهذا الأمر، وقال:" أفهم أن البعض قد يفكر في منحنى أخر، لكن أفكارنا واضحة بأننا نحن جزء أصيل من فتح، وهذا رد على كل الذين يصفوننا بـ "المنشقين".

فعناصر "التيار" وصفهم الرئيس خلال إيقاد شعلة الانطلاقة الـ54 لحركة فتح في رام الله بـ "الجواسيس"، بعد أن سمحت لهم حركة "حماس" بإيقاد شعلة الانطلاقة في ساحة الجندي المجهول وسط غزة، فحين مُنعوا جماعة "الرئيس" من النزول إلى الشارع وما خلفه من اعتقالات واستدعاءات طالت عناصر وكوادر من "فتح".

وشدد جمعة على أن "فتح" واحدة وليست اثنين، كما جاء في خطاب مهرجان ذكرى استشهاد ياسر عرفات، ويوم إيقاد شعلة الانطلاقة بداية الشهر الجاري، مضيفًا:" نحن نتحدث عن إصلاح وتغيير داخل الحركة ومنظمة التحرير على أسس سليمة مع إعادة بنائها، بمشاركة كل الفصائل بما فيها حماس والجهاد الإسلامي".

وأكمل حديثه بنبرة حادة:" عندما نتحدث عن التيار الإصلاحي، نتحدث عن التغيير في الشكل التنظيمي والفكري والوطني الذي يتلاءم مع المتغيرات التي نعيشها حاليًا.. نحن لسنا ضد أحد لكننا ضد الخطأ ويجب تصحيحه".

فيما أكد أن جميع أبناء "فتح" أخوة لقادة التيار، "قد عشنا معهم سنوات من النضال والكفاح، وليس بيننا وبينهم أي مشكلة"، معبرًا في ذات الوقت عن تفهمه من قيامهم بإتباع الرئيس وقيادة رام الله، خوفًا من قطع رواتبهم ومخصصاتهم المالية، مطالبًا الجميع بأن ينسى الجراح، " ولا يجوز أن نبقى نقول إن حماس أخطأت لبقاء حالة الفرقة"، وفق جمعة.

وفي سؤال، كيف لفتح أن تشفى من جراحها، وأن تكون قادرة على خوض المنافسة بأي انتخابات قادمة؟، أجاب جمعة قائلاً:" يجب أن نعود جميعاً إلى حكم فتح حسب نظامها الأساسي، لكي تدخل الحركة في عملية إصلاح دون تمييز، دون ربط المشكلة بحماس!!، ولا نعرف ما الذي يقصده في عبارته الأخيرة؟.

وأكمل إجابته، قائلاً:" حين كان الحديث عن إجراء انتخابات محلية، كان موقفنا واضحًا وهو الذهاب إلى الوحدة داخل الانتخابات حتى لا نرغب في تقسيم فتح، لاسيما أن البعض ما زال مُصر على بقاء هذه الآلية، بالرغم أن أيدينا ممدودة من أجل وحدة الحركة، حتى لا نتفاجأ بقضية الانتخابات أو غيرها في حال بقيت حالة التشرذم هذه"، معربًا عن أمله بوجود استجابة من الطرف الأخير، في إشارة إلى "فتح  عباس".

من الواضح أن التيار الإصلاحي، معرض للهجوم كل يوم من الرئيس وأعضاء اللجنة المركزية لفتح، والتي كان أخر هجوم من عضو مركزية فتح أحمد حلس، حين وصف "التيار" بـ "المرتزقة" وقال إنهم شاركوا بحفلةٍ محمية من خصومهم يوم إيقاد الشعلة.

وعاودت "الوطنية" إلى توجيه سؤال أخر على النائب جمعة، مفاده: إلى متى سيبقى الرئيس يهمش "التيار الإصلاحي" ولا يعترف به، خاصةً أن قيادة فتح قدرت عددكم بالمئات؟، أجاب:" يعتبروننا مئات فهذا شأنهم، لكن أي حركة تحترم نفسها، تبحث عن أبنائها وتأخذهم إلى حضنه وتعمل على لم الجراح والتئام الوحدة، ومن يسعى إلى ذلك يكون قائداً وزعيمًا، ويستطيع أن يحقق لحركته ووطنه كل الأشياء ومن لا يرغب بذلك يكون يُخفي في داخله هدف، لا نعرفه وستكشفه الأيام".

وحول غياب الحياة الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية، وحل التشريعي والدعوة لعقد انتخابات تشريعية خلال ستة أشهر، تساءل المقرب من دحلان:" هل ستقبل حركة حماس في غزة بإجراء انتخابات تشريعية في غزة، وهل سيقبل الطرف الإسرائيلي بإجرائها في القدس، وهل الرئيس سيقبل بإجرائها في الضفة؟.

وأضاف قائلاً:" التوافق مطلوب حول هذه المسألة، بحيث أن تجرى الانتخابات بتوافق لتداول السلطة وفق آليات المشاركة، والمسألة ليس بإصدار قرار والذهاب بعد ذلك: واذهب أنت وربك فقاتل ونحن قاعدون".

وفي السياق ذاته، لفت إلى أن "التيار" رفض قرار حل التشريعي، بينما عبر عن رغبته بإصدار مرسوم رئاسي بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، لكي يحدد الفلسطيني مصير مستقبله، ويعطي حقه الانتخابي للوصول إلى إصلاح وتغيير، وبناء منظمة التحرير.

ولتجديد الشرعيات، وخاصة المجلس الوطني الذي هو بالأساس برلمان دولة فلسطين القادمة وهو المكلف بتعيين المجلس المركزي واللجنة التنفيذية للمنظمة، يجب أن تتم بمشاركة الكل الفلسطيني وفق نطاق أوسع، وليس فقط على مستوى الضفة وغزة والقدس، وهنا يقصد جمعة التجمعات والجاليات الفلسطينية التي في خارج فلسطين.

ويسود خلاف حاد بين الرئيس عباس ودحلان الذي فُصله الأول من حركة فتح في حزيران/ يونيو 2011، بعد تشكيل لجنة داخلية من قيادة الحركة وجهت إليه تهما بعضها خاص بالفساد المالي.

وضغطت الرباعية العربية أكثر مرة على الرئيس عباس بهدف إعادة دحلان إلى "فتح"، وهو ما يرفضه عباس بشدة، وفي أكثر من مناسبة انتقد دحلان سلوك ونهج عباس ودعاه إلى التنحي.

 

المصدر : ليث شحادة_الوطنية