على طاولة اجتماعات القيادة الفلسطينية المعهودة يوم السبت الماضي، فجر الرئيس محمود عباس قنبلة يراها البعض أنها مليئة بـ الشظايا القاتلة للحالة الفلسطينية الميتة أصلاً بفعل مرض اسمه "الانقسام" الذي لا يزال يتجلى في أجساد الفلسطينيين منذ اثني عشر عامًا دون علاج سحري له.

فهذه القنبلة التي انطلقت بمعاد ليس مناسبًا على الإطلاق، مليئة فعلاً بالشظايا، لكن شظية واحدة دون غيرها أصابت الحالة إصابة مباشرة، حين تحولت إلى كلمات انطلقت من لسان الرئيس، الذي أعلن عن اتخاذ "المحكمة الدستورية"  قرارًا يقضي بحل المجلس التشريعي وإجراء انتخابات في فترةٍ زمنية حُددت بستة أشهر، فذلك التشريعي، هو الوحيد الذي تبقى لحركة حماس من ذكريات انتخابات 2006 التي فازت فيها بالأغلبية.

قرار المحكمة "الدستورية" التي شُكلت بقرار من الرئيس في  أبريل/ 2016، قوبل برفض شديد من بعض الفصائل والقوى السياسية، بما فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، إذ اعتبروه جميعًا غير قانوني وغير شرعي، حسب القانون الفلسطيني الذي ينص على عدم  حل "التشريعي" إلا في حالة انتخاب مجلس جديد.

في المقابل، أيدت حركة "فتح" وبعض فصائل منظمة التحرير غير المختلفة مع سياسات الرئيس والسلطة، هذا القرار بقوة، مطالبين المعارضين له بالاستجابة فوراً لقرار المحكمة الدستورية وعدم التشكيك في صلاحياتها، والاحتكام للشعب عبر إجراء الانتخابات، لتشكل الوسيلة المثلى والأقصر لإنهاء الانقسام، من وجهة نظرهم.

"حماس" بصفتها تحتل أصوات "التشريعي"، تجعلنا نقف عند بيانها الصحفي الذي أصدرته عقب القرار، فقد رفضت قرار "الدستورية"، وقالت إن تلك المحكمة أنشأها عباس لتمرير وحماية قرارته التعسفية، معتبرةً أنه ليس له أي قيمة دستورية أو قانونية، ولا يعدو كونه قرارًا سياسياً لن يغير من الواقع شيئاً، مؤكدةً أن المجلس سيد نفسه والمحكمة باطلة في تشكليها، "وما بني على باطل فهو باطل".

الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطاالله قال لـ "الوطنية"، إن الرئيس يلوح بحل "التشريعي" منذ فترة، وخاصة بعد عقد المجلسين الوطني والمركزي التابعين للمنظمة، وانسداد الأفق أمام المشروع السياسي، واستمرار حالة الخصومة مع "حماس" التي تعقد في غزة باستمرار جلسات كتلتها البرلمانية برفقة مع بعض نواب "فتح" الذين يؤيدون محمد دحلان.

وكذلك يعتقد عطاالله، أن الذي ساعد على اتخاذ القرار، غضب الرئيس من وفد "كتلة حماس البرلمانية" الذي يجري جولة خارج البلاد ولقائه بالرئيس اللبناني ميشال عون.

ويرى أن الرئيس يريد تجريد "حماس" من أخر معاقلها، واضعًا عدة سيناريوهات للحالة، الأول: إجراء انتخابات في غزة والضفة في آن واحد، لكنه أقر بصعوبة ذلك، والثاني إجراء انتخابات في الضفة دون غزة، معبرًا عن قلقه  من ذلك، والسيناريو الأخير هو: عدم إجراء انتخابات وبقاء الوضع كما هو عليه، بناءً على جميع المؤشرات التي تدل على حالة الفراغ القائم في كل مؤسسات الشعب الفلسطيني.

واستبعد المحلل السياسي عطاالله، وجود انعكاسات سياسية على الحالة الفلسطينية، لأن "حماس" -من قراءته للحالة الموجودة- ستبقى تعقد "التشريعي" في غزة وكأنه لم يصدر قرار بحله، فيما سيستمر الرئيس بنهجه الحالي ويقول إن "حماس" غير شرعية،  لافتاً إلى أن الجميع غارق في بحر الخلافات.

وفي سياق حديثنا السابق عن المحكمة الدستورية، التي من المفترض أن تقوم بعملها وفقاً لأحكام القانون الأساسي كما نصت المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية الذي صدر في العام 2006، وعدل في العام 2017، وليس معارضة القانون الأساسي، إذ تنص المادة (47) مكرر منه، على انتهاء مدة ولاية المجلس التشريعي القائم عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية.

حل التشريعي والقانون

مدير مركز مسارات للأبحاث السياسية والاستراتيجية هاني المصري، طرح عدة تساؤلات وهي:" ماذا حل المجلس التشريعي، وفي هذا الوقت بالذات وبهذه الطريقة؟ هل هو إجراء قانوني أم سياسي بامتياز مغطًى بشكل قانوني؟ وما التداعيات المُحتملة لهذا القرار؟.

حاول المصري الإجابة عن هذه الأسئلة في مقال نشره اليوم الثلاثاء، إذ قال، إن حل "التشريعي" متجاوزٌ للقانون الأساسي واتفاقات المصالحة، التي نصت على تفعيل "التشريعي"، ويعتبر إجراءً عقابيًا لحركة حماس كونها لم توافق على تسليم قطاع غزة من الباب إلى المحراب لحكومة الرئيس، التي ما زالت تسمى "حكومة الوفاق الوطني"، وبداية لحملة جديدة لتقويض حكمها من خلال فرض إجراءات  وصفها بـ العقابية الجديدة.

وأضاف:" حل التشريعي يأتي كإجراء وقائي تحسبًا لما يمكن أن يحدث في حال شغور منصب الرئيس جراء الوفاة أو الاستقالة أو المرض الشديد، إرضاءً لفتح، وخصوصًا المتنافسين على الخلافة، لمنع نفاذ ما تنصّ عليه المادة (3) من القانون الأساسي الفلسطيني على أن يتولى رئيس المجلس التشريعي مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتًا لمـدة لا تزيد عن ستين يومًا، تُجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقًا لقانون الانتخابات الفلسطيني"، رغم عدم الحاجة لذلك، لأن المجلس التشريعي معطل وغير منعقد منذ انتخابه تقريبًا".

"ولتجاوز المأزق الناجم عن هذا القرار، يجب الشروع في حوار وطني شامل يهدف إلى الاتفاق على توفير متطلبات إنهاء الانقسام، وأولها إنهاء تفرد الرئيس وهيمنة "فتح" وسيطرة "حماس" الانفرادية على قطاع غزة، والاتفاق على البرنامج الوطني الذي يتضمن إحباط "خطة ترمب"، و"قانون القومية" العنصري، والمشاريع العدوانية والاستعمارية والاستيطانية التي تستهدف الجميع، وعلى كيفية التخلص من اتفاق أوسلو والتزاماته بأسرع وقت وأقل الخسائر، والاتفاق على أسس الشراكة والاحتكام إلى الشعب في انتخابات تأتي تتويجًا لتوحيد المؤسسات وإعادة بنائها، لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي داخل الوطن وفي أماكن اللجوء، بدلًا من أن تكونً مدخلًا لانقسام جديد أوسع وأكبر"، وفق المصري.

(قرار سياسي بغلاف قانوني)

فيما يعتبر الكاتب والمحلل السياسي خالد صافي في حديثه "للوطنية"، أن قرار "الدستورية" بالأساس سياسي مكسو بغلاف قانوني، وأحادي الجانب وليس بناءً على توافق وطني، لاعتبار أن المحكمة شكلها الرئيس.

ولفت صافي إلى عدم وجود دولة مستقرة ذات كيان فلسطيني متكامل ذي سيادة وقانون، لكنه يرى أن الكثير من الأمور على الصعيد النظري والممارسة، يجب أن تؤخذ بتوافق وطني.

ومضى بالقول:" نحن في حالة الوسط ما بين مرحلة التحرر الوطني والدولة.. وأيضاً نحن سلطة وليس دولة، ولا يمكن الحديث عن شرعية قانونية فقط، بل علينا الحديث من منطلق الشرعية الثورية طالما أن الشعب الفلسطيني واقع تحت الاحتلال".

وتعالت الأصوات مؤخراً من رام الله وبالأحرى من فريق "الرئيس"، بأن يكون المجلس المركزي بديلاً عن المجلس التشريعي في الفترة المقبلة، وحينما سألنا صافي عن هذه النقطة، قال إن "المركزي" يمثل الشعب ولا يمثل حركتي "حماس والجهاد"، متسائلاً:" كيف يمكن له أن يشكل إطار تشريعي، ونصف الفصائل غير موجودة، بالإضافة إلى وجود فصائل قديمة فيه ليس لها وزن على الأرض؟.

بالعودة إلى مدير مركز مسارات للدراسات السياسية هاني المصري الذي كتب مقالاً سابقاً بعنوان "لماذا لم يتم اللجوء إلى المجلس المركزي بحجة أنه منشئ السلطة ويستطيع حلها؟، وكتب يومها أن اللجوء إلى "المركزي" سيعرض الموضوع للتجاذب، فهناك في "المركزي"، بمن فيهم أعضاء بارزون من "فتح"، يعارضون حل "التشريعي"، لذلك تم اللجوء إلى المحكمة الدستورية لإخراج الأمر بأنه قرار قانوني لأن أحكام المحكمة وقراراتها نهائية وغير قابلة للطعن كما جاء في المادة (40) من قانون المحكمة.

إلى ذلك، أبلغ الرئيس القيادة المجتمعة بأنه لا يستطيع سوى الموافقة على قرار المحكمة الدستورية، وإنه –وفقًا لوكالة الأنباء الرسمية "وفا"، فإن نص القرار قد نشر في جريدة الوقائع الرسمية، وبدأ تنفيذه على الأرض، مع التأكيد على ضرورة الالتزام به دون معارضة.

وبعد الموجة التي ضربت الشارع الفلسطيني في مسألة "حل التشريعي"، شهدنا تطورات جديدة على الساحة، حينما منعت الأجهزة الأمنية الفلسطينية رئيس المجلس عزيز دويك ونواب آخرين من عقد مؤتمر صحفي في مقر المجلس برام الله ردًا على قرار "الدستورية"، مما دفع النائب عن "حماس" خليل الحية إلى المطالبة برفع دعاوى ضد الرئيس وأعضاء المحكمة في محاكم دولية.

لا يخفى على أحد أن الشارع الفلسطيني مثقلٌ بهمه، نتيجة تصاعد انتهاكات الاحتلال في الأرض الفلسطينية وتعمق الخلاف الداخلي، وغرق مركب المصالحة بموجة "التمكين والشراكة"، والسؤال هنا: هل حل "التشريعي" وإجراء الانتخابات العامة سيخرج الشعب الفلسطيني من عنق الزجاجة، أم أن الأيام القادمة قد تفك العقد، أو تشد عليها بقوة؟

المصدر : الوطنية - ليث شحادة