"عندما يكبر أولادي كيف سيتذكرون والدهم؟ بأية صورة يا ترى؟" هكذا تألم بصوت مسموع المدعو "حه مه" (وهو اسم كردي يعني محمد)، مضيفًا: "في كل مرة كنت أتعرض فيها للإساءة على يد زوجتي، كنت أردد أنها ستكون المرة الأخيرة، وأنها ستعي سوء هذا التصرف وفداحة تأثيره على أسرتنا عاجلا أم آجلا".

فالعنف ضد الرجال بات ظاهرة تستحق الدراسة، وبحسب منظمات محلية غير حكومية في كردستان العراق، فإن هنالك مئات الشكاوى ترد من قبل رجال معنّفين من قبل زوجاتهم، مارسن ضدهم عنفًا جسديًا.

جرى تسجيل 45 حالة انتحار لأزواج خلال الأشهر العشر الأخيرة من عام 2018، بحسب آخر إحصائية لاتحاد رجال إقليم كردستان العراق، وهي منظمة غير حكومية تشكلت منذ عام 2009 على أثر تزايد حالات العنف ضد الرجال وتزايد الشكاوى بهذا الصدد، واستمرت في عملها رغم كثرة الانتقادات التي طالت منهج عملها وأهدافها تحت ذرائع شتى.

لم يكن حه مه، المعلم الأربعيني، يعلم أن زواجه الذي بدأ قبل أكثر من عشرة سنوات سينتهي نهاية مشابهة لما آل إليه الحال مع زوجته، فحين تبادلا العهود بالبقاء في السراء والضراء إلى أن يفرقهما الموت، لم يتم الإشارة إلى مسألة الفراق بسبب العنف الأسري، أو الاضطهاد الذي سيعانيه حه مه في سنواته اللاحقة.

حه مه، الذي رفض ذكر باقي اسمه وطلب كذلك إخفاء معالم وجهه، له من زوجته السابقة ولدان وكانا يشهدان حالات الاعتداء بالضرب ضده من قبل زوجته وهو ما جعله يشعر بالخجل دائما منهما.

لم يجزع الزوج الصبور من تصرفات أم أولاده إلا في سنوات الزواج الأخيرة، حين بدأ الأمر بالتسارع وصولا إلى مرحلة الضرب بأي شيء تقع عليه يد الزوجة الغاضبة، حيث إنه في البداية كان يمنّي النفس بأنها شخصية انفعالية بطبعها بسبب الضغوط اليومية ومسؤوليات المنزل وتربية الأولاد على حد وصفه، لكن الأمر "لم يعد محتملاً، لقد قررت أن أنهي كل هذه المسألة وألجأ إلى خيار الطلاق كي أحافظ على صورتي أمام عائلتي وأولادي".

وتشير الناشطة المدنية آفين فتاح إلى أن "المنظمات بشكل عام لا تتصدى للحالات السلبية قبل وقوعها، بل تبحث عن مواضيع الطلاق والعنف الأسري وسواها بعد وقوع الكارثة، وهي بصراحة من أهم مواطن الخلل في أغلب سياسات المنظمات المدنية غير الحكومية والمعنية بحقوق الأفراد".

في عام 2011 صدرت في إقليم كردستان مجموعة قوانين وجرى تشكيل مديرية خاصة للعنف ضد المرأة للحد من العنف الأسري بشكل عام. لكن لم يتطلع أحد إلى مسألة مناهضة العنف ضد الرجل.

وترجّح الباحثة الاجتماعية جاوان إسماعيل المرشدة التربوية في ثانوية الياسمين للبنات في السليمانية، أن "هذه التشريعات ومن ضمنها القانون رقم 8 لسنة 2011 الخاص بمناهضة العنف الأسري، ساهمت كثيرا في إعلاء سلطة المرأة في كردستان "حيث يعد هذا القانون هو الأول من نوعه في العراق، وقد بدأ تطبيقه الفعلي نهاية عام 2012".

 

المصدر : الجزيرة