صدرت دراسات وتقارير كثيرة في السنوات الماضية، حول ابتعاد الجيل الشاب بين الأميركيين اليهود عن إسرائيل في السنوات الأخيرة، لكن يتبين الآن أن هذا الشرخ آخذ بالاتساع بين الأميركيين اليهود الكبار في السن وبين إسرائيل، على خلفية الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

وساعد في ذلك أيضًا، توجهات حكومة "بنيامين نتنياهو" اليمينية والعنصرية وتحالفه مع الحريديين المتشددين دينيًا ضد التيارين الإصلاحي والمحافظ اللذين تنتمي إليهما الغالبية العظمى من الأميركيين اليهود.

وكان معهد "بيو" الأميركي نشر استطلاعًا واسعًا عام 2013، ظهر من خلاله أن الجيل الشاب من الأميركيين اليهود لا يميلون إلى الشعور بوجود علاقة عاطفية تجاه إسرائيل قياسًا بأبناء سن 65 عامًا فما فوق.

لكن تقريرًا نشرته صحيفة "هآرتس" أول من أمس الجمعة، أظهر أن هذا الشرخ آخذ بالاتساع ليشمل آباء وأجداد هذا الجيل الشاب.

وقال المحاضر المتقاعد من جامعة شيكاغو "ريتشارد طاوب" 81 عامًا: "إنني من عائلة كان شعور أفرادها قوي جدًا بأن إسرائيل هي مكاني"، إلا أنه بات الآن ينظر إلى نفسه أنه جزء من عدد كبير وآخذ بالازدياد من الأميركيين اليهود الكبار في السن، الذين يتعاظم غضبهم وعدائيتهم تجاه سياسة إسرائيل الحالية.

وأضاف طاوب "لقد أصبحت حكومة إسرائيل متغطرسة أكثر واليمين مسيطر فيها، وأعتقد أن ما يمارس في الضفة الغربية قرب من العمل الجنائي، وأعتقد أيضًا أن ائتلاف نتنياهو مع المتشددين (الحريديين) بائس للغاية. وأعتقد أنهم يقودون إسرائيل إلى اتجاه سيء جدا".

وتابع "صادفت أناس أكثر يشعرون مثله، وجميع اليهود الليبراليين يكرهون ترامب، ولذلك فإن العلاقة بين علاقة ترامب مع نتنياهو وإسرائيل تغير التوازن".

وكان رئيس الكونغرس اليهودي العالمي "رونالد لاودر"، وهو جمهوري وصديق قديم للرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد نشر مقالا بعنوان "إسرائيل، ليست ما نحن" في آب/أغسطس الماضي، وعبر فيه عن قلقه من عدم تخصيص مكان للصلاة في باحة البراق لليهود غير الأرثوذكس، وأيضا من سن "قانون القومية".

وكتب لاودر أن هذه الأحداث تخلق انطباعًا بأن الصبغة الديمقراطية والمساواة للدولة الديمقراطية اليهودية تقف أمام امتحان، ويتساءل كثيرون اليوم ما إذا كانت الدولة العزيزة عليهم لا تفقد طريقها.

فيما أشار الخبير في العلوم السياسية "دوف فاكسمان"، إلى وجود تغيير جوهري بين الأميركيين اليهود حاليًا، قائلًا "تكون مؤيدًا لإسرائيل لا يعني بعد الآن التعبير عن دعم غير مشروط بالحكومة".

وقال فاكسمان مؤلف كتاب بعنوان "مصائب في السبط: الصراع الأميركي – اليهودي حول إسرائيل"، الذي صدر قبل سنتين، إنه لاحظ تحولات أكبر بين الأميركيين اليهود، واقتبس من استطلاع "بيو" أن نصف الأميركيين اليهود تقريبا (48%) لا يؤمنون بأن حكومة إسرائيل تبذل جهدًا صادقًا من أجل التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين.

وأضاف أن "تحولات عامة جرت بين كافة الفئات العمرية، وليس بين الشبان اليهود فقط"، لافتًا إلى أنه خلال السنتين الأخيرتين منذ صدور كتابه، ألقى محاضرات كثيرة، وفي تقديره أن 90% من مستمعيه هم أميركيون يهود كبار في السن، واصفًا ذلك "لقد تعالت المشاعر نفسها في كل مكان. أناس كانوا قلقين منذ فترة طويلة من سياسة إسرائيل وممارساتها تجاه الفلسطينيين، لم يكونوا قادرين على التحدث عن ذلك. كانوا يشعرون أنهم وحيدون، وفجأة شعروا بأنه العبء أزيل عنهم".

ووفقا لمدير عام المجلس لعلاقات الجالية اليهودية في بوسطن ومنطقتها "جيرمي بيرتون"، فإن هذه المشاعر هي مزيج بين إحباط شخصي حقيقي، بسبب اتجاه الأمور وخاصة بسبب نتنياهو ومعالجة إسرائيل لقضايا مثل احترام الأميركيين اليهود، وبين القلق حول كيفية تأثير ذلك على الشبان".

وأضاف بيرتون أن ثمة تخوف من تأثير الأحداث في إسرائيل على الهوية اليهودية للجيل الشاب وارتباطه بإسرائيل.

ومن جهته، وقال الناشط في "أيباك" داغلاس بلومفيلدن، إن الأميركيين اليهود "خائبي الأمل من إسرائيل، التي اتجهت نحو اليمين بشكل متطرف وتخضع لسيطرة الحريديين والقوميين بشكل متطرف، ومن إسرائيل التي يوجهها رئيس حكومة يتمتع بكاريزما وفاسد، ولعل الأمر الأكثر وضوحا هو أن إسرائيل ترفضهم لأنهم ليس يهودا بالقدر الكافي".

الانجيليون بدل اليهود

ووفقًا لاستطلاع "بيو"، فإن 88% من اليهود الإسرائيليين يؤيدون قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، مقابل 46% من الأميركيين اليهود.

وأضاف الاستطلاع أن نسبة الأميركيين اليهود الذين يؤيدون قيام دولة فلسطينية مستقلة وإخلاء مستوطنات أعلى بكثير من نسبة اليهود في إسرائيل.

بدوره، قال المحاضر في تاريخ يهود الولايات المتحدة في جامعة براندايس "جوناثان سارنا"، إن السن ليس العامل الوحيد الذي ينبغي أخذه بالحسبان لدى دراسة تأييد الأميركيين اليهود لإسرائيل، مشيرًا إلى "التقاطب المتزايد" بين آراء اليهود من التيارين الإصلاحي والمحافظ وبين اليهود الأرثوذكس والحريديين بالنسبة للسياسة في الولايات المتحدة، وأرائهم حول إسرائيل وعلاقتهم بها.

وأضاف سارنا "عندما نفكر بمسألة السن، يحظر أن ننسى أن من ينجب اليهود الشبان أكثر اليوم هم الأرثوذكس، وهذا التغيير سيوازن التغيير الآخر لليهود الليبراليين الذين ينفصلون عن إسرائيل، وفي حالة الحريديين من كافة الفتئات العمرية، فإن المعطيات تظهر أنهم، مثل الانجيليين، يؤيدون ترامب بشكل صلب".

ومن جانبها، أكدت الرئيسة السابقة لكنيس المحافظين في نيو جيرسي ونائبة رئيس منظمة "شعبنا" الصهيونية "تعومي كولتون – ماكس"، أن دائرة المعارضة لإسرائيل بين الأميركيين اليهود آخذة بالاتساع.

وأضافت "صحيح أنه توجد جالية ستدافع عن إسرائيل مهما حدث، لكني أعتقد أن أناسا مثلي، أبناء 50 عامًا وعملوا من أجل قضايا تقدمية منذ صباها، باتوا يشكلون مجموعة أكبر مما كانت في الماضي، والسؤال الحقيقي هو ماذا سيفعلون؟ ربما سيفكون ارتباطهم مثل الكثيرين من أبناء 30 عاما الذين ابتعدوا عن إسرائيل".

ويبدو أن لكل واحد من الأميركيين اليهود الأسباب التي تجعله يبتعد عن إسرائيل حيث تقول المحاضرة في موضوع الصحافة وباحث في الهولوكوست "لوريل ليف" 61 عامًا، إن آراءها تغيرت منذ يوم افتتاح السفارة الأميركية في القدس، فعندما جرى الاحتفال قُتل 60 فلسطينيًا تظاهروا عند حدود قطاع غزة بنيران الجنود الإسرائيليين".

وأضافت أن "الحكومة الحالية في إسرائيل اتخذت قرارًا بأن يهود الولايات المتحدة لم يعودوا مهمين بعد الآن، لأن الإنجيليين يدعمونها.

المصدر : وكالات