خلقت مباحثات "التهدئة" التي تقودها مصر  وتشجعها عدة أطراف دولية، حالة من "الصخب" في المشهد الفلسطيني الداخلي، إذ ضخمت إعلاميًا قبل الكشف عن الصيغة التي تُجهز بها.

وبعد كثرة المواد الصحفية الدسمة التي نشرت في الإعلام الدولي والمحلي عن التهدئة، سارعت حركة "فتح"  للتعبير عن رفضها لأي اتفاق أو مفاوضات بين حركة "حماس" و"إسرائيل"، وذلك على لسان أكثر من مسؤول بها.

اعتلت الحركتان المنصة الحزبية من جديد، وبدأتا بتوجيه الاتهامات وصولًا إلى حالتهما المعهودة، فيما قال عضو اللجنة المركزية لفتح حسين الشيخ في لقاء عبر تلفزيون فلسطين، إن حماس وافقت على ميناء في قبرص ومطار بمدينة "إيلات" تحت رقابة الإسرائيلية الكاملة، متحديًا أي قيادي بحماس أن ينكر ما قاله.

وبعدها ردت حماس على تصريحات الشيخ عبر لسان المتحدث باسمها عبد اللطيف القانوع، قائلةً إن "خطواتنا نحو تثبيت تهدئة 2014 ورفع الحصار عن قطاع غزة محصنة بالإجماع الوطني والمقاومة الفلسطينية".

كما اعتبرت أن تصريحات قيادات فتح ومزاعمهم بشأن التهدئة باطلة ولا قيمة لها ولا تنطلي على أحد، مشددةً على" أننا لسنا أمام صفقة سياسية ولا جزء من اتفاق دولي يتنازل عن الأرض ويعترف بالمحتل ويدمر المشروع الوطني كما فعلتم".

وجمعت مصر الشهر الماضي، الفصائل في القاهرة عدا "فتح"، لأجل التباحث في موضوع "التهدئة" التي تريدها "إسرائيل" دون أن تدفع ثمنًا للفلسطينيين، حيث أنها تسعى لعقد اجتماع آخر خلال الفترة المقبلة بمشاركة وفد من "فتح"، وإضافة ملف المصالحة المتعثر في جدول المباحثات.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي مخيمر  أبو سعدة، إن ما طُلب من التهدئة هو مطار وميناء ومعابر وإعادة انعاش قطاع غزة اقتصاديًا كمرحلة أولى. في مقابل وقف حفر الأنفاق ووقف التصنيع، بالإضافة إلى وقف مسيرات العودة وإطلاق البالونات الحارقة، كمرحلة ثانية.

(العربة تسيير)

وكانت صحيفة "العربي الجديد" نقلت عن مصادر مصرية اليوم الثلاثاء، إن القاهرة مصرّة على أن تكون السلطة الفلسطينية ممثِّلة في المشهد النهائي لأي اتفاق، لكونها السلطة الشرعية، لكن إذا تمسك أبو مازن وقيادات فتح بموقفهم المعرقل لأي اتفاق، فـ"ستسير العربة بدونهم".

وهذا ما توقعه أبو سعدة خلال حديثه مع "الوطنية"، فقال إن "فتح" غاضبة من مفاوضات التهدئة التي تجريها مصر، إذ تعدّها تهميشًا لدورها التاريخي، وتقليلاً من قيمتها، لافتًا إلى وجود توتر خفي وغير معلن بين السلطة والقاهرة.

استمرار الرئيس "أبو مازن" بفرض إجراءاته التي يصفها البعض بـ "العقابية" لأكثر من 15 شهرًا للضغط على حماس في غزة، تسبب بإضعاف قدرة الناس وجعل الأخيرة أمام خيار التفاوض اضطراريًا مع الاحتلال الإسرائيلي، وفق أبو سعدة.

لكن في حال اتفقت "حماس" مع "إسرائيل" بدون منظمة التحرير أو السلطة، فإن الأمر سيؤدي إلى انفصال فلسطيني شئنا أم أبينا، فيما كشفت صحيفة" العربي الجديد" عن وجود خلافات بين  الرؤية المصرية وموقف السلطة وفتح، فيما يتعلق بملفي التهدئة والمصالحة مع حماس.

وفي اختتام الدورة الـ 29 للمجلس المركزي منتصف الشهر الحالي، أكد الرئيس أن المصالحة لا تعني هدنة أو تهدئة أو مساعدات إنسانية، موضحًا أنه جرى إبلاغ المصريين بهذا الموقف.

وقال لحظتها إن المصالحة هي أن تعود الوحدة كما كانت، مشددًا على أنه "لا دولة في غزة وحكم ذاتي في الضفة الغربية، ولن نقبل أن تكون غزة منفصلة".

وأُبرم عام 2014، اتفاق وقف إطلاق النار بين الفصائل في قطاع غزة وإسرائيل برعاية مصرية، حيث يشمل فتح كافة المعابر وتوسيع مساحة الصيد البحري وحل مشكلة الكهرباء ووقف الاعتداءات والتوغلات الإسرائيلية في القطاع، بعدها يتم البحث عن القضايا الخلافية التي زالت حاضرة لليوم مثل- الميناء والمطار وتبادل الأسرى.

فالكاتب والمحلل السياسي والمقرب من "حماس" وسام عفيفة، وصف اتفاق وقف إطلاق النار في عام 2014 بـ "الهش"، لافتًا إلى البدء بصياغة "التهدئة" من جديد مع متطلبات وبنود ليست جديدة. فمن يراجع البنود في تلك الفترة سيجدها.

ويعتقد عفيفة أن الاتفاق الجاري هو امتداد على ما أتفق عليه عام 2014، لكن مع وجود أثمان سياسية، منها كسر الحصار عن قطاع غزة الذي يمثل مطلبًا أساسيًا، بعدما أصبحت السلطة جزء منه، فإنه لا يمكن أن يطلب منها المشاركة بتهدئة لكسر الحصار  وهي جزء منه"، كما قال.

ويوضح رئيس شبكة الأقصى الإعلامية التابعة لحماس، أن هناك حالة من "اللغط والارباك" في موضوع التهدئة، خاصة مع المتغير الجديد في المنطقة، والحديث عن "صفقة القرن".

ويضيف عفيفة:" هذا دفع البعض أن يرى ويعتقد سواء بحسن أو سوء نية، أن التهدئة محاولة لتهيئة الأجواء لتمرير صفقة القرن التي أعتقد أن بنودها غير مطابقة لغزة، فإنها بدأت من يوم إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ثم بعدها تم تجفيف منابع الأونروا لإلغاء حق العودة، والقضية لا يمكن حصرها في غزة".

وموقف "فتح" من وجهة نظر عفيفة، يتمثل بمحاولة دفع خلافات بينية وتشويه صورة المقاومة، لأن معظم حالات التهدئة هي من قادتها ودعت إليها، أما الآن لديها نظرة ومشكلة واضحة لأن حماس تقودها بدلًا منها، "فهذا محرم عليها،، أمّا إذا كانت من خلال الشرعية وعبر طقوسها، فتكون مباركة"، على حد تعبيره.

وعن طبيعة الحراك المصري الحالي تجاه التهدئة، بيّن الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله أن مصر تريد مسألتين من التهدئة، الأولى عدم انزلاق الأمور في غزة إلى حرب جديدة، وبالتالي إن نشبت حرب ستحدث كارثة إنسانية على حدودها ويشعرها بـ"الحرج". وفيما يتعلق بالمسألة الثانية، فإن حالة الانفجار ستؤدي لحالة "سياب" على حدود بين القطاع ومصر، وهذا له تأثير على الأمن القومي المصري.

وإسرائيليًا، أوضح عطا الله أن الاحتلال يريد "تهدئة" بدون دفع أي ثمن واعتماد معادلة الهدوء مقابل الهدوء، في المقابل تعي "حماس" ذلك، وتفرض شروطًا لتحقيق إنجازات، إلّا أن الإسرائيلي يتلاعب ولا يريد إعطاء أي شيء.

(خوف من الانفصال)

وتشعر بعض الفصائل الفلسطينية وأبرزها الجبهة الشعبية التي شاركت في اجتماعات القاهرة، بالخوف من شكل التهدئة الحالي، تحسبًا من أن تؤدي إلى نوع من الانفصال، وهذا ما جعل آخرين يطالبون بإتمام المصالحة أولًا قبل أي اتفاق بشأن مستقبل غزة.

وعند سؤالنا عن إذا ما كانت قضيتا المطار والميناء مطروحتين فعلًا، أشار عطا الله إلى أن القضيتين بحاجة إلى اتفاق سياسي كبير ودائم وليس مؤقت، لأنهما يحتاجان لأكثر من عامين للبناء، على عكس ما هو مطروح في تهدئة من 5 إلى 7 سنوات.

ويبدو أن التهدئة أغرقت المتابعين والمراقبين في بحر مليء "بالغموض"، لأن ما يُبحث ويُناقش في القاهرة خاضع لتعتيم إعلامي شديد، وهذا جعل الجميع يتساءل عن مصير المصالحة في الخلاف الدائر بين حركتي حماس وفتح؟، أم أن التهدئة ستنهار أمام قوة المعارضين والتهديدات التي يلوح بها قادة فتح والسلطة؟، أم أنها ستفلت من القبضة وتذهب بقطاع غزة إلى البعيد؟.

المصدر : ليث شحادة- الوطنية