هل خطر ببالك سبب ظهور شخص قابلته قبل ساعة في الطريق لعملك، على قائمة "الأشخاص المقترحين" على فيسبوك؟ لقد أصبحت خصوصيتك ملكًا لمواقع الإنترنت، وستفاجأ عندما تعلم أن صورك وخصوصياتك وأرقام هواتف أقربائك، ومقاطع الفيديو التي شاهدتها، والمحادثة الخاصة التي ائتمنك صديقك عليها، كلها في يد ملاك ومبرمجي مواقع الإنترنت، بل لديهم عنك ما هو أكثر من ذلك بكثير.

فبينما أنت جالس على هاتفك تتصفح مواقع الأخبار اليومية، "فيسبوك" و"جوجل" و"إنستجرام" تستطيع الوصول إلى (الكاميرا)، و(الموقع)، و(الاستوديو)، وإذا جلست على جهاز الحاسوب، فإن ذات المواقع تستطيع الوصول إلى (المايكروفون)، و(الكاميرا) كذلك.

لمواقع الانترنت طرق متنوعة في الوصول إلى هذا المحتوى، بعضها من أجل تقديم محتوىً تسويقي أفضل للمستخدم، وبعضها يتم الاستفادة منه بما لا يعلم عنه شيئًا، في هذا التقرير سنجيب عن سؤال لم يخطر ببال الكثيرين، لماذا تعمل غالبية المواقع على الإنترنت بشكل مجاني، لا تطلب منا أي مقابل لخدماتها، وتتركنا نستخدم الموقع لسنوات وسنوات؟ وكيف تصل هذه المواقع لمعلوماتك وخصوصياتك؟ وكيف تحمي –ما أمكن- معلوماتك الخاصة؟

وعن طريقة وصول هذه المواقع لمعلومات المستخدمين، يقول الباحث في أمن المعلومات محمود أبو غوش في حديث لـ "الوطنية":" عند زيارة المواقع لأول مرة سواءً من الحواسيب الشخصية أو من الهواتف الذكية، فإنها تخزن في الذاكرة ملفات تسمى "ملفات الارتباط Cookies"، ومواقع التواصل الاجتماعي ومنها "فيسبوك" تستطيع الوصول لهذه الملفات، ما يمكنها من الوصول –أيضًا- لكافة المواقع التي نزورها بشكل دوري".

طريقة أخرى يستطيع "فيسبوك" –بحسب أبو غوش- من خلالها الوصول لمعلوماتنا واهتماماتنا، هو طلب فيسبوك تحديث معلومات المستخدمين الشخصية بشكل دوري، إذ يطلب تحديث الاسم وتاريخ الميلاد والأعمال التي يقوم بها وجامعته/مدرسته، مع إضافات جديدة تتضمن بعض الأسئلة التشعبية المتعلقة باهتمامات المستخدم ورغباته، وتفضيلاته الشخصية في مختلف المواضيع.

"أذونات التطبيقات"

بدوره, يؤكد مختص أمن المعلومات المحوسبة صهيب دولة، أن جميع المواقع الإلكترونية ومنها "فيسبوك" و "جوجل"، تستطيع الوصول للمعلومات على هواتفنا عن طريق التطبيقات، إذ تطالب بتوفير عدد من الأذونات –وهي عبارة عن طلب إذن بالوصول إلى مواقع كالكاميرا والصور والمايكروفون وغيرها- قبل تحميل التطبيق أو تشغيله.

ويواصل دولة حديثه لـ"الوطنية"، بقوله:" للأسف فإن أغلبية المستخدمين يقومون بقبول هذه الأذونات دون قراءة شروط استخدام التطبيقات، أو الأذونات المطلوبة، ما يسمح للتطبيقات بالوصول إلى معلوماتنا الخاصة واستخدمها".

وخلال دراسة أجراها باحثون في جامعة "نورث إيستيرن" الأمريكية، اكتشف خلالها وجود عدد من التطبيقات التي لا تستخدم مايكروفون الهاتف للتجسس على المستخدم، بل تتجسس مباشرة على المقاطع التي يتم تشغيلها على شاشات الهواتف.

وبناءً على هذه المعلومات وغيرها، فقد طالبت نقابة الاتصالات الأمريكية الكبرى بتفكيك موقع فيسبوك، بحجة شعورهم بـ" قلق عميق من قوة فيسبوك وتأثيره على حياتنا وديموقراطيتنا".

"طرق متنوعة"

ولاستكمال الحديث عن كيفية وصول مواقع التواصل و"فيسبوك" لمعلوماتنا الخاصة، يقول أبو غوش:" إضافة إلى الصلاحيات التي تحصل عليها مواقع التواصل، وملفات الارتباط، وجدت "خوارزميات" –وهي جمل برمجية يتم إنشاؤها لهدف معين- تستطيع من خلالها مواقع التواصل تحليل النصوص التي يكتبها المستخدمون".

ويستطرد أبو غوش:" فكتابة المستخدم لنصوص تدور حول موضوع معين كـ"البرمجة" مثلاً، يتم تحليله واستنباط معلومات عن هذا المستخدم بأن عددًا من منشوراته على فيسبوك متعلقة بموضوع البرمجة .. وهكذا على كل المنشورات".

ويضيف دولة إلى موضوع (الخوارزميات) وجود خوارزمية معينة على الهاتف المحمول، تسجل المحادثات التي تدور بين المستخدمين وأصدقائهم وأقربائهم، إذ يكون المايكروفون في الهاتف مفتوحًا على الدوام، وترفع هذه الخوارزمية كل ما تم تسجيله على الإنترنت مباشرة فور اتصال الهاتف بالشبكة –في حال لم يكن متصلًا-.

ويكمل:" ثم تلتقط خوارزمية الذكاء الاصطناعي في المواقع كـ"فيسبوك"، وبعدها تعرض على المستخدم الإعلانات تبعًا لهذه المعلومات التي تحصل عليها الموقع من اهتماماتك ومحادثاتك والمعلومات التي جمعها عنك".

فماذا يفعل موقع "فيسبوك" وغيره بهذه المعلومات؟؟

يجيب دولة: لا تفصح مواقع التواصل عن طرق استخدامها لهذه المعلومات، بعضها يقوم بنشر إعلانات تناسب اهتماماتي وهذا جانب جيد، لكنه ليس الجانب الوحيد، فهذه المواقع تجني أرباحًا بملايين الدولارات من البيانات التي يجمعونها، ويبيعونها لغيرك دون علمك أو طلب تصريح مباشر منك قبل بيعها أو استخدامها".

ويكمل دولة:" لا يقوم موقع فيسبوك بعمل استطلاعات رأي لجمع اهتماماتنا وآرائنا حول المواضيع المختلفة، بل إن ما يقوم به هو انتهاك خصوصيتنا والوصول لهذه الاهتمامات والآراء دون الرجوع إلينا كمستخدمين".

وعن سؤال ما إذا كان ما يقوم به موقع "فيسبوك" قانونيًا، يؤكد أبو غوش أن موقع فيسبوك وغيره، يطالبون المستخدم بقراءة سياسة الخصوصية وسياسة الاستخدام والموافقة عليها قبل التسجيل في الموقع، ما يجعل الأمر قانونيًا بالكامل، مشيرًا إلى عدم وجود أي إثبات قانوني يدين مواقع التواصل بشكل رسمي.

وعبر مواطنون لـ"الوطنية" عن قلقهم من إمكانية وصول مواقع كـ"فيسبوك" و"إنستجرام" للصور الخاصة بهم وبيعها لأيدٍ خارجية، ما سيجعلهم يفكرون أكثر من مرة قبل رفع أي صورة على الإنترنت من الآن فصاعدًا.

"الحماية"

وعند سؤال أبو غوش عن إمكانية حماية خصوصية المستخدمين، ظهرت على وجهه علامات فقدان الأمل تداركها بابتسامة ثم قال:" لا يمكن حماية خصوصية المستخدم بشكل كامل مائة بالمئة، فسيتم تتبعك مهما حاولت حماية خصوصيتك، لكن توجد جوانب يمكن من خلالها التخفيف من حدة هذا التتبع".

يكمل أبوغوش :" يمكن استخدام المتصفحات الخفية (Incognito browser)،- خاصية موجودة في المتصفحات تمكن المستخدم من إخفاء بعض المعلومات وعدم حفظها-، إضافة إلى تعديل بعض الصلاحيات المعطاة لبعض التطبيقات، مثل الوصول إلى المايكروفون أو الكاميرا، وغيرها من الصلاحيات، للتقليل من حدة تتبع خصوصيات المستخدمين".

وحذر دولة، من رفع الصور الشخصية والعائلية على مواقع التواصل الاجتماعي، بقوله:" مالك الصور يفقد ملكيته لها مباشرة فور رفعها على الإنترنت، ما يسمح للمواقع على الشبكة باستخدام هذه الصور دون الرجوع لصاحبها".

فهل إغلاق مواقع التواصل الاجتماعي كـ"فيسبوك" وغيره حل لحماية خصوصية الأفراد؟ يجيب دولة بقوله:" يرتاد ملايين الأفراد بشكل يومي مواقع التواصل الاجتماعي، بعضهم للتواصل وكثير منهم للعمل ومتابعة وظائفهم، ما يجعل قرار إغلاق هذه المواقع في هذه المرحلة صعبًا للغاية".

فإذا كان إغلاق هذه المواقع ليس حلًا والتوقف عن استخدامها فيه إضرار بمصالح الأفراد، والبدائل العربية أو الأجنبية الأكثر أمنًا غير موجودة، فمن يحفظ معلوماتنا وخصوصياتنا؟ وإلى أي مدىً –لم نعلم عنه- قد تم اختراق حياتنا الشخصية وبيعها والتصرف فيها دون علمنا؟

 

المصدر : أحمد شحادة - الوطنية