نشرت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس" اليوم الأحد، تفاصيل الحلقة الأولى من سلسلة عمليات الثأر المقدس عبر الموقع الالكتروني الرسمي الخاص بهم.

وقال الأسير القسامي حسن سلامة إن الشهيد يحيى عياش هو من خطط لهذه العمليات التي ارتبطت باسمه، وأصبح اسمها الثأر المقدس له ولكل شهيد ولكل فلسطين، فهي الأساس وهي القضية التي نجاهد ونقاوم من أجلها، ومن أجل تحريرها.

وأكد سلامة أن هذه العمليات تم تنفيذها بعد أن صدرت الإشارة من القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف بالرد على اغتيال يحيى عياش.

حسن سلامة يروي القصة:

"دار حوار بيني وبين الضيف حول آلية التنفيذ وعدم امتلاك المال، فأخبره بأنه سيتدبر الأمر، ثم أخبره أن هناك مجموعة تابعة لهم تم تنظيمها في القدس منذ فترة وسيتم التواصل معهم وينتظرون الرد".

وأوضح أن مجموعة القدس التي تتكون من الأسير المجاهد أكرم القواسمي، والأسير المحرر المجاهد أيمن الرازم، قد أرسلت برقيتها بأنهم جاهزون للعمل وأنهم ينتظرون.

يكمل سلامة روايته:"تم وضع كل الترتيبات مع المجموعة، واستطعنا تدبير مبلغ من المال للبدء بالعمل، وتوزيع المهام، وقد تم اختياري لهذه المهمة بالخروج إلى الضفة الغربية، حيث الساحة الحقيقة للعمل والمواجهة المباشرة مع الاحتلال".

وأشار سلامة إلى أن هناك مجموعة لرصد حدود القطاع وتعمل باستمرار على الحدود للرصد والمراقبة لتسهيل مهمة الخروج والتي كانت تحت مسؤولية محمد السنوار.

يتابع سلامة روايته:انقسم فريق العمل إلى مجموعتين؛ المجموعة الأولى والتي تتكون (عرفات أبو الحصين، يوسف أبو هين، رأفت عبيد) ويرافقهم الشهيد سهيل أبو نحل أحد حراس الشيخ "أحمد ياسين"، ستخرج حتى تؤمن لنا الطريق وتجهز لنا مكان انتظار داخل الأراضي المحتلة في منطقة (أسدود) وستقوم بتأمين سيارة، ومكان للانطلاق منه، وعند جهوزيتهم ستصلنا الإشارة؛ لكي تخرج المجموعة الثانية.

خرجت المجموعة واجتازت الحدود، وبقينا ننتظر على الحدود حتى اطمأننا على دخولهم، وكان ذلك عبر جهاز (بيلفون) من النوع الكبير، وقتها وصلتنا إشارة منه، وكان الاتفاق أن ننتظر منهم إشارة، وأن يطلبوا منّا الدخول بعد أسبوع، بعد أن يكونوا قد جهّزوا مكاناً لنا للاختفاء فيه داخل أراضينا المحتلة.

وهنا يأتي دور المجموعة الثانية والتي كانت تحت مسئوليتي، وسيقع عليها مهمة إدخال المتفجرات لتنفيذ العمل، والتأسيس لعملٍ جديدٍ هناك في الضفة، كانت خططنا جاهزة، وكان الاتفاق أنه بعد دخولنا سيتم إدخال خمسة أخوة من داخل غزة وهم الإخوة الاستشهاديون.

انتظارهم سيكون في الداخل حتى يتم تجهيزهم، ثم مراجعة كل شيء مع الأخ القائد محمد الضيف وبإشراف الأخ المجاهد الشهيد "أبو بلال" عدنان الغول، صاحب الخبرة الكبيرة في المتفجرات والتعامل مع التوصيلات الكهربائية، أو ما يسمى جهاز التفجير، وأصبحت طريقته هذه معروفة لدى العدو خاصةً بعد عملية شارع (ديزنكوف) التي نفذها إخواننا في الجهاد الإسلامي بمساعدة الشهيد عدنان الغول، فهو الذي وفّر الصواعق وجهاز التفجير لهذه العملية.

أما أبو بلال الغول، فهو صديقٌ قديمٌ تعرفت عليه في سوريا خارج فلسطين، وتدربت على يديه على موضوع كاتم الصوت، وكان أول العائدين من الخارج لغزة، والتقيت به بعد عودته، وتشاركنا في هذا العمل وغيره في تلك الفترة، وكان بيته مأوىً لنا، وهو صاحب خبرةٍ كبيرة، وله الفضل في تطوير عمل المقاومة خاصة في مجال التصنيع.

 

الاختبار الأول

جاء الوقت لدخول المجموعة الثانية بالمعدات بعدما وصلتنا الإشارة من المجموعة الأولى، كانت أمورنا جاهزة وتم تحديد يوم الدخول، كان ذلك في شهر رمضان، ولم يمضِ على زواجي سوى أسبوعين يومها، فذهبت للبيت وأفطرت عند الأهل وتجنبت النظر في عيون الوالدة، فقد كانت تشعر بأن هناك شيئاً سيحدث.

جلسنا أنا والوالدة قبل الإفطار وطأطأتُ رأسي على قدميها وبدأت يدها الطاهرة تداعب شعر رأسي، وما زلت أذكر هذه اللحظة التي أحن لها وأتمناها بعد هذه السنوات.

ودّعت الجميع بعيوني وانسحبت بهدوء وهم يفطرون، دخلت غرفتي التي كان لها باب خارجي وتركت ساعتي وبعض الأمور الخاصة في هذه الغرفة وخرجت من بابها الثاني، وكان أحد الإخوة ينتظرني، وكانت هذه لحظاتي الأخيرة مع الأهل.

بعدها توجهت إلى بيت المجاهد "أبو بلال" عدنان الغول، وهناك كان اللقاء الأخير مع هؤلاء الإخوة، فجهزنا مُعداتنا، وأسلحتنا، وأخذنا ما نحتاجه من متفجرات ومستلزمات وانطلقنا، وكان معي أحد الإخوة وهو خبير في قص الأثر ومجاهدون آخرون، سيدخل بعضهم ليساعدني في حمل المعدات ثم سيعودون في نفس الوقت، وسأبقى أنا وحدي مع أغراضي، لتستلمني المجموعة الأولى داخل الحدود، عند نقطة الالتقاء المحددة مسبقاً.

وفعلاً وبعد مراقبة الحدود الشرقية في منطقة البريج وسط قطاع غزة، بدء العمل السريع، فنصبت السلالم من قبل الإخوة المساعدين تحت مسئولية المجاهد محمد السنوار، وصعدنا من خلال الجسر الذي صُنع، وما هي إلا لحظاتٌ حتى أصبحنا في الطرف الثاني داخل الأراضي المحتلة، وكنا نسير على خطوات أخينا قصاص الأثر، الذي كان يضع أقمشة على الأرض ليزيل أثر خطواتنا، حتى تجاوزنا المنطقة التي تسمى (الرشم).

 جلسنا قريباً من الحدود خلف الأشجار ننتظر قدوم جيش الاحتلال، وبعد مرورهم وعدم شعورهم بشيءٍ بدأ سيرنا طويلاً للوصول إلى نقطة الالتقاء مع المجموعة الأولى، وكنّا بعد اعتمادنا على الله معتمدين على خبرة قصاص الأثر، وصاحب الخبرة بالطريق وهو الأخ سالم المهموم الذي ينتظرنا بالداخل، وبعد مشي استمر أكثر من ثلاث ساعاتٍ وصلنا إلى النقطة المحددة، وتواصلنا مع المجموعة الأولى، وخلال دقائق كانوا بسيارتهم أمامنا.

كانت لحظاتٌ صعبة وأنا أودّع من كان معي من الإخوة وهم أصدقاء لا داعي لذكر أسمائهم، وانطلقت في طريقي فيما انطلقوا هم عائدين إلى غزة، وكان أمامهم مسيرٌ طويل، داخل السيارة كنت برفقة الأخ سالم المهموم والأخ الشهيد سهيل أبو نحل ومعنا معداتنا.

إلى منطقة أسدود المحتلة انطلقنا وفي إحدى بيارتها الكبيرة، مكثنا وخبّأنا أغراضنا وجلسنا ننتظر قدوم الإخوة الاستشهادين من غزة، وننتظر أيضاً وصول مجموعة القدس التي جهزنا معها كل شيء، وهم أكرم القواسمي وأيمن الرازم.

 طال انتظارنا في البيارة التي كنا نعيش تحت أشجارها في زاوية من زواياها وكأننا عمّال، ومعنا سيارة مخبأة بين الأشجار، وفي الليل نخرج بالسيارة، وكان معنا (البيلفون) وسيلة التواصل نشحنه ببطارية إحدى السيارات، وعندما طال انتظارنا تواصلنا مع غزة وكان الخبر الصعب بعدم تمكنهم من إخراج أحد؛ لأن الطريق قد كشفت، أي أنني سأعتمد على نفسي في تجنيد الاستشهادين.

دخول الضفة

مجموعة القدس لم تصل، ولم نتمكن من التواصل معهم، ولم نستطع البقاء أكثر من ذلك، والإخوة الذين معي مهمتهم انتهت وعليهم العودة إلى غزة بعد طول هذا الانتظار؛ لذلك طلبت من الأخ سالم المهموم إمهالي يومين وتوفير وسيلة لانتقالي للضفة، على أن ينتظروني لمدة 48 ساعة، فإن لم أتواصل معهم فليغادروا المكان فوراً.

 وفعلاً تم ذلك، وخرجت في سيارة للعمال ووصلت إلى الظاهرية ومنها إلى مدينة الخليل، وكنت على علاقة مع إخوة وأصدقاء هناك، تعرفت عليهم سابقاً من خلال السجن وفي الابعاد إلى مرج الزهور، فذهبت زائراً لهم ومكثت عندهم شهر، أخيراً تمكنت من العثور على أحد الإخوة بعدما تفاجأت باستشهاد بعضهم، وعلمت أن البعض مازالوا في السجن، وعن طريق سليمان القواسمي تمكنت من الوصول إلى رام الله، وفوراً تواصلت مع الأخ سالم المهموم حتى يطمئن وأخبرته أنني خلال يوم سأكون عنده.

كنت أعمل في أكثر من اتجاه، فكنت أبحث عن الشهيد عادل عوض الله، الذي أعرفه من خلال السجن، وفي نفس الوقت كنت أعمل جاهداً للاتصال بمجموعة القدس، لذلك سافرت إلى أبوديس وكان معي مسدس وهوية مزورة، وهناك تواصلت مع المجموعة، والتقيت معهم بجانب جامعة أبو ديس، وتعرفت عليهم من خلال كلمة السر، وكنت قد رأيت صورهم في غزة قبل الخروج للمهمة.

تحدثنا وتعاتبنا، وتم الاتفاق على موعد للذهاب لأسدود للالتقاء مع سالم المهموم، ومعه الشهيد سهيل أبو نحل، وفعلاً انطلقنا إلى هناك، فكنت قد خبِرت الطريق جيداً، ووصلنا إلى هناك ودخلنا إلى البيارة وأخرجنا أغراضنا ووضعناها في السيارة، وودعت الإخوة سالم المهموم والشهيد سهيل أبو نحل، واتفقنا على عدة أمور، وأرسلتُ رسالة شفوية للأخ "محمد الضيف" وانطلقوا الإخوة عائدين إلى غزة، ونحن انطلقنا عائدين إلى القدس بأغراضنا ومعداتنا، لنبدأ العمل.

مجموعة القدس كان لهم الفضل الكبير بعد الله عز وجل في نجاح هذا العمل، فهم من استقبلوني عندهم، ومعاً خططنا لكل شيء، وكان العمل بيننا قائم على التفاهم التام، فقمنا بتقسيم العمل، فكان عليهم رصد الأهداف وتوصيل الشهداء إلى أهدافهم بعد تجهيزهم بكل ما يحتاجونه لتنفيذ مهامهم، وكنت أتواصل مع "الضيف" عبر رسائل تصلني من خلالهم عن طريق طرف ثالث.

المصدر : الوطنية