شهدت المصالحة الفلسطينية عدة محطات تاريخية منذ بداية التوترات السياسية بين حركتي فتح وحماس، وضربها أطناب جميع نواحي الحياة الاجتماعية والمؤسساتية المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة على وجه الخصوص.

وبدأت المشكلة بين طرفي الانقسام بالظهور بشكل علني في صيف عام 2007 بعد سيطرت حركة حماس على كافة مناحي السلطة في غزة، إلا أن جذوره تمتد إلى بدايات الانتفاضة الفلسطينية الأولى أواخر عام 1987 مع نشأة حركة حماس في ظل بيئة فصائلية يغلب عليها الطابع اليساري والعلماني.

ومع ازدياد القاعدة الشعبية لحماس على حساب باقي الفصائل، بدأ الانقسام في تعمقه تحديدًا مع حركة "فتح"، خصوصًا بعد توقيع اتفاق أوسلو في 13 سبتمبر 1993.

وفي عام 1994 ومع قيام السلطة الفلسطينية وتسلمها غزة وأريحا وباقي المدن الفلسطينية، قامت السلطة بتنفيذ حملة اعتقالات استهدفت قيادات حركة حماس وعناصر جهازها العسكري لمنعهم من القيام بأي عملية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

ومع انطلاق انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر 2000 توحد كافة أبناء الشعب الفلسطيني بكل أطيافه ضد الاحتلال.

وفي عام 2005 شرعوا في حوارات فصائلية داخلية بقيادة مصر، انتهت باتفاق القاهرة بين الفصائل في مارس 2005، حيث تم التأكيد على التمسك بالثوابت الفلسطينية دون أي تفريط، وحق الشعب الفلسطيني في المقاومة من أجل إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وضمان حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم.

بعد ذلك، تم تنظيم ثاني انتخابات تشريعية فلسطينية بداية عام 2006، والتي تعتبر أول انتخابات تشارك فيها حماس، إضافة إلى تحقيقها مفاجأة بحصد أغلبية المقاعد في المجلس التشريعي.

يشار إلى أن أطرافًا داخل حركة فتح رفضت مشاركة الحركة في حكومة بقيادة حركة حماس أمثال النائب محمد دحلان، حيث دعا وقتها الرئيس عباس الحكومة القادمة إلى الالتزام باتفاقات منظمة التحرير ونهج السلام.

وبعد رفض الفصائل المشاركة في حكومة حماس الجديدة تم تشكيل الحكومة برئاسة إسماعيل هنية الذي سلم يوم 19 مارس 2006 قائمة بأعضاء حكومته إلى الرئيس محمود عباس، إلا أنها قوبلت بمشاكل سياسية تسببت بها إسرائيل من خلال الحصار الذي فرضته، ومحاولات داخلية لإحداث قلاقل داخلية طوال 2006.

زادت حدة المشاكل بين أكبر حركتين فلسطينيتين، مما اضطر وزير الداخلية آنذاك سعيد صيام بتشكيل قوة عرفت بـ"القوة التنفيذية"، مما ادى إلى صدام بينها وبين الأجهزة الأمنية الأخرى.

حاولت عدة أطراف وقف الاشتباكات بين مسلحي حماس وفتح والأجهزة التابعة لهما، ونجحت هذه التحركات في وقف الاشتباكات، لكن الأمور كانت تعود مجددًا للتوتر والاصطدام.

 

استمرت أجواء التوتر حتى عام 2007، مما استدعى من الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز دعوة حركتي فتح وحماس إلى التحاور في رحاب الأراضي المقدسة، ووقعت الحركتان على ما اتفاق عرف بـ"اتفاق مكة" في فبراير2007، مما أنتج حكومة وحدة وطنية مكونة من الفصائل.

وبعد أشهر قليلة من الاتفاق، تجددت الاشتباكات التي انتهت بسيطرة حماس على قطاع غزة، وتعمق الانقسام بشكل كبير جدًا وزادت الأوضاع سوءًا، خصوصًا بعد قيام الرئيس بإقالة حكومة إسماعيل هنية، مكلفًا سلام فياض بتشكيل حكومة جديدة، واستمرت الأمور بحكومتين واحدة في الضفة وأخرى في غزة.

تعاقبت الاتفاقات بين الحركتين بعد اتفاق مكة مع وجود التوترات السياسية على مدار أكثر من 10 سنوات، إلا أنها تفشل في التطبيق بعد التوافق على صيغة معينة للاتفاق، وهذه الاتفاقات هي:

اتفاق اليمن عام 2008، حيث وضع الطرفان وثيقة مصالحة لكنهما اختلفا على تفسيرها، ولم ينجحا في تنفيذ أي بند منها.

  1. حوار "دكار" عام 2008 الذي اتفق كل من فتح وحماس فيه على بدء حوار أخوي بإشراف الرئيس السنغالي، لكنهما لم تتابعا ذلك وظل الأمر إعلانا فقط.
  2. اتفاق القاهرة عام 2009، وذلك بعد سلسلة لقاءات، قامت مصر بطرح ورقة مصالحة دعت إلى انتخابات، وبعد خلاف حول الورقة تم تجميدها.
  3. لقاء دمشق عام 2010 أعلن فيه الفصيلان الفلسطينيان أنهما قريبان من اتفاق جديد وجلسا مرات ولم يعلناه.
  4. اتفاق المصالحة في القاهرة عام 2011، حيث أعلن عن الاتفاق على تشكيل حكومة مستقلين وإجراء انتخابات عامة، لكن لم يتم تشكيل الحكومة بسبب خلافات حول قضايا جوهرية متعلقة بالحكومة وعملها وبرنامجها وأجهزة الأمن وغيرها.
  5. إعلان الدوحة عام 2012: الرئيس عباس ومسؤول حماس خالد مشعل يعلنان اتفاقًا بتشكيل حكومة وانتخابات، لكن الاتفاق لم ير النور بسبب استمرار الخلافات.
  6. لقاء القاهرة عام 2012 وأتى هذا الاتفاق لبحث وضع آلية تطبيق لاتفاق الدوحة.
  7. اتفاق القاهرة عام 2013 إعلان تطبيق اتفاق المصالحة، وبعد اختلاف في التفسيرات لم يحدث تقدم.
  8. اتفاق الشاطئ في غزة عام 2014، حيث تم إعلان تشكيل حكومة مستقلين وإجراء انتخابات، وتم على إثره إعلان اتفاق حكومة الوفاق التي ترأسها رامي الحمد الله وبعد نحو شهرين، بدأت الاتهامات بين الحكومة وحماس، إذ اتهمت الحكومة حماس بتشكيل حكومة ظل، واتهمت حماس الحكومة بتهميش غزة.
  9. وأخيرًا اتفاق القاهرة الحالي والذي يأتي بصدد الاتفاق على تنفيذ ما جاء في وثيقة عام 2011 وتشكيل حكومة وحدة والذهاب إلى انتخابات، إلا أنه لم تظهر أي نتائج حتى الأن وما تزال الأطراف تجتمع داخل الغرف المغلقة في القاهرة، لإيجاد حل وتجاوز هذه المرحلة من تاريخ الشعب الفلسطيني.

 

المصدر : الوطنية