يعود ملف المصالحة الفلسطينية إلى الواجهة من جديد بعد جولات ومبادرات عديدة في عدة دول عربية وأجنبية، فشلت جميعها على الرغم من الاتفاق والتوقيع وبدء التنفيذ، لا سيما اتفاق الشاطئ الذي أنتج حكومة التوافق.

تحركات المصالحة الجديدة جاءت هذه المرة بواسطة الدبلوماسية المصريةً وبضغط كبير لإنجاحها، وذلك في محاولة جدية لتمكين الشعب الفلسطيني بالضفة وغزة من استعادة وحدته.

ومن المتوقع أن يلتقي وفدين من حركة حماس وحركة فتح في القاهرة لبحث تنفيذ ما تم الاتفاق عليه خلال الأيام الماضية برعاية المخابرات المصرية، وذلك عقب أن أعلنت حركة حماس عن حل اللجنة الإدارية وترحيب فتح والرئاسة الفلسطينية بذلك.

وتقود هذه التحركات المحللين إلى التفاؤل المشوب بالحذر بسبب المعطيات التي يطرحها الواقع والتجارب السابقة بين الحركتين.

وقال المحلل السياسي أكرم عطا الله، إن هناك ظروف متوفرة للضغط وتحقيق اتفاق مصالحة جديد، إلا أنه لا يمكن التعويل عليها بشكل كبير لتنفيذ الاتفاق، كون الواقع معقد بشكل أكبر من نوايا التصالح عند فتح وحماس.

وأكد عطا الله، أن حل اللجنة الإدارية لا يؤثر بشكل كبير لإجراء اتفاق محوري وشامل، وذلك كون اللجنة شكلت والانقسام الفلسطيني متواجد منذ أكثر من 10 سنوات.

ويرى عطا الله أن الأزمة الأساسية التي يمكن أن تواجه هذا الاتفاق هي البنية الأمنية العسكرية لحماس التي لن تقبل بها السلطة الفلسطينية، ولن تقبل الحركة المساس بها أو النقاش حولها أيضاً، موضحًا أن الاختلاف بين الحركتين ناتج عن برامج سياسية، حيث لا يمكن لأي طرف منهما قبول الأخر.

وتلقى الجهود المصرية ترحيبًا من جانب حركة "فتح" بقيادة الرئيس محمود عباس بمواصلة مصر رعاية ملف المصالحة الفلسطينية، وكذلك حركة "حماس" عقب لقاء رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية مدير المخابرات اللواء خالد فوزي، حيث أبدت استعدادها لعقد جلسات حوار مع حركة "فتح" في القاهرة فورًا لإبرام اتفاق للمصالحة.

وبخصوص تأثير الخلاف الحاصل في البيت الخليجي في تحريك ملف المصالحة وإنجازه، قال عطا الله إن برنامج حماس ثقيل على الرئيس عباس، فيما لا يمكن استثنائها من المشهد السياسي الفلسطيني ولا بد من إعادة هيكلة للبرنامج السياسي للطرفين وفق مصلحة وطنية بحتة.

وأضاف " حتى لو كانت هناك ضغوطات سعودية ومصرية وغيرها وتمت المصالحة، ستطالب إسرائيل الرئيس عباس بمصادرة سلاح المقاومة وتصفه بالإرهاب".

وأكد أن إسرائيل كانت وما تزال تعمق مسببات الانقسام بين الطرفيين، ولن تثنيها أي ضغوطات لإفشال المصالحة.

خطوة إيجابية

بدوره، اعتبر المحلل السياسي مصطفى الصواف، أن إعلان حركة حماس عن حل اللجنة الإدارية من القاهرة خطوة إيجابية في طريق تحقيق المصالحة، وتدلل على وجود رضى مصري باتجاه هذه الخطوة.

وأكد الصواف أن حماس تحاول بحل اللجنة الإدارية إظهار حسن نواياها ورمي الكرة في ملعب الرئيس، كون إنهاء الانقسام بنظره متوقف على حل اللجنة الإدارية.

وأوضح أن اتفاق القاهرة عام 2011 شمل كافة الملفات وتم التوافق عليها ولا يوجد مشاكل في أي منها، إلا أن ما يلزم هو تطبيق أمين لكافة ما تم التوافق عليه بالمجمل مسبقًا.

وبين أن الملف العسكري لا يمكن أن يتفق عليه بالإلغاء والإقصاء كون الاحتلال قائم، مضيفًا "على الرئيس عباس ان يعيد التفكير بهذا الملف".

وأكد أن خلاف دول الخليج الداخلي لا يؤثر على المصالحة بشكل خاص، وإنما تأثيره على القضية الفلسطينية ككل، "كون الانقسام كان موجودًا قبل خلاف دول مجلس التعاون ومصر مع قطر، " حتى وإن كانت قطر أخر المبادرين لإنجاز ملف المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام".

أمر صعب

من جانبه، قال المحلل السياسي طلال عوكل إن إمكانية تحقيق المصالحة بعد هذا العمق الذي أحدثه الانقسام طيلة 11 عامًا أمر صعب، وذلك لأن هناك اختلاف برامج سياسية كبيرة بين الحركتين ولا يتبنى أي برنامج الأخر.

وتوقع عوكل أن يكون هذا الاجتماع الحاصل في القاهرة مثله مثل أي "احتفالية" سابقة وسيبوء بالفشل، وذلك لأن الكثير من المعطيات مفقودة في كثير من الملفات، كالملف الأمني والعسكري وكذلك ألية تشكيل الحكومة ومكوناتها إلى أن يأتي موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية وغيرها.

ويرى عوكل أن اللجنة الإدارية منذ تشكيلها في مارس الماضي ليست العقبة الكبرى أمام إنهاء الانقسام، حيث كان هناك الكثير من المبادرات لحلها مقابل رجوع الرئيس عن قراراته باتجاه غزة، لكن اللجنة لم تحل، مضيفًا "ما يحصل اليوم كان ليحصل منذ فترة عندما طرحت الجهاد الإسلامي مبادرة تقر نفس الخطوات الحالية".

وأعلنت حركة حماس فجر الأحد، عن حل اللجنة الادارية التي شكلتها لإدارة شؤون قطاع غزة، داعيةً حكومة الوفاق للقدوم إلى قطاع غزة ولممارسة مهامها والقيام بواجباتها.

وأكد أن العقلية التي تدار فيه حوارات المصالحة في كل مرة ليست عقلية الشراكة الحقيقية والجدية، وذلك لأن كل طرف له حساباته ويريد من المصالحة أن تخدم حزبه فقط، وتابع "سيستخدم الطرفان بعد كل هذه الحوارات سياسة رمي الكرة في ملعب الطرف الأخر".

وأوضح أن اتجاه فتح بقيادة الرئيس إلى تركيا وقطر وتوجه حماس بقيادة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إلى مصر، سيكون له ارتدادات كبيرة على آلية سير المصالحة، وذلك بسب العداوة الكبيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر مع قطر على وجه الخصوص، مؤكدًا أن المصالحة الفلسطينية بشكل حقيقي تأتي من خلال الدور المصري والاعتراف به.

المصدر : الوطنية - فادي بارود