منذ اللحظة الأولى لوقوع أحداث الأقصى، كان موقف قيادة السلطة الفلسطينية مختلفاً، حيث ردت على قرار سلطات الاحتلال وضع البوابات الإلكترونية بتجميد الاتصالات مع إسرائيل على كافة المستويات لحين التزامها بإلغاء الإجراءات التي تقوم بها ضد القدس والمسجد الأقصى.

وشكل الموقف نقطة قوة تحسب للرئيس محمود عباس برأي محللين سياسيين تحدثوا للوطنية ستزيد من التحريض عليه في المجتمع الإسرائيلي، وسط توقعات أن يتم اتهامه بالكثير من الامور خلال الأيام المقبلة، فيما اتجهت آراء محللين أخرين إلى أن هذه القرارات مجرد تكتيك سياسي لكسب مواقف.

وكان الرئيس عباس وجه نداءً باسم الأقصى والقدس إلى جميع القوى والفصائل وخاصة حركة حماس، من أجل الارتقاء فوق الخلافات وتغليب الشأن الوطني على الفصائلي، والعمل على وحدة الشعب وإنهاء آلامه وعذاباته.

قرارات طبيعية

وقال المحلل السياسي ناجي شراب إن قرارات عباس طبيعية لدعم مدينة القدس والمرابطين فيها، مؤكداً أنها تأتي في مكانها الصحيح، خصوصًا وأن اسرائيل تقوم بالتضييق على المقدسيين بشكل كبير من خلال فرض الكثير من الاجراءات الصارمة.

وأضاف "رسالة الرئيس من هذه القرارات أن القدس كما كانت الملف الشائك والتحدي الأكبر لصفقة القرن التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي ترمب، إضافة إلى أنها كانت وستبقى التحدي الوحيد الذي يواجه المفاوضات بين الجانين الفلسطيني والاسرائيلي منذ 20 عاماً ".

وبين أن هذه الرسالة يوجهها الرئيس سياسيًا إلى أمريكا وإسرائيل وغيرها من الدول، أن لا حل دون القدس.

وشدد على أن المصالحة الفلسطينية لا ترتبط بهذه القرارات لأنها لا تمثل الحل السحري، "وإلا لوجدنا عدداً من المبادرات من قبل حماس أو فتح لتحقيق الوحدة الوطنية"، مشيراً إلى أن أحداث القدس صاحبت تصعيدًا إعلاميًا كبيرًا من قبل طرفي الانقسام إضافة إلى توجيه اتهامات لبعضهم البعض.

وأكد أن المصالحة باتت معتمدة على مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس.

"مواقف تكتيكية"

بدروة، قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف إن قرارات عباس الأخيرة هي بمثابة سلوك جيد سيضر به أكثر من الضرر الحالي.

وأضاف " أن موضوع التنسيق الأمني مسألة غير مؤكدة، لأنه مستمر بناء على تصريحات قادة الاحتلال حول منع الكثير من العمليات خلال الأيام الماضية ضد الإسرائيليين".

وتمنى أن يعي أبو مازن حقيقة الأمر ويعود إلى الصف الوطني الفلسطيني ويشارك في مواجه الاحتلال، " وأن نرى تطبيقاً على الأرض لأن التنسيق الأمني لم يعد يخدم المشروع الوطني الفلسطيني بل يخدم الاحتلال".

وأكد الصواف أننا بحاجة إلى العودة للمشروع الوطني وترتيب الأوراق الفلسطينية، وإلى وحدة قائمة على الشراكة، وضرورة دعوة الكل الفلسطيني للتضامن ومواجهة الاحتلال.

وفيما يتعلق بإمكانية أن تكون قرارات الرئيس فرصة لعودة التقارب مع حماس قال الصواف " لا اعتقد أنها تهدف لذلك، بل هي تكتيكية من أجل امتصاص الغضب بالشارع الفلسطيني".

"قرارات اعتراضية"

من جهته، قال المحلل السياسي طلال عوكل، إن عباس يسعى من خلال قرارته الأخيرة إلى أن تبقى القيادة الفلسطينية قوية ومقبولة شعبياً، خصوصًا وأن الطرف الأمريكي متجاهل لدور السلطة من خلال إبرام صفقة بين الأردن وإسرائيل للإفراج عن ضابط السفارة الإسرائيلي ورفع البوابات الالكترونية.

وأكد عوكل أن هذه التجاهل دفع القيادة السياسية إلى وضع نفسها موضع القائد لهذه المعركة في القدس ضد إسرائيل، إضافة إلى تجميع الشعب الفلسطيني حول الرئيس بما لا يسمح لأحد المزاودة عليه وعلى قراراته.

وبين أن هذه القرارات "اعتراضية" على السلوك الأمريكي الضاغط على الطرف الفلسطيني والداعم لإسرائيل.

وأوضح عوكل أن إسرائيل دائمًا ما تتهم السلطة والرئيس بالتحريض، أما اليوم في هذه المعركة ينظرون إلى الرئيس كعدو، ومن المتوقع أن يتم اتهامه بالكثير من الامور خلال الأيام المقبل.

وأضاف "من غير المتوقع أن يتم استغنام هذه الأحداث في القدس لتقريب وجهات النظر والسعي وراء المصالحة، وذلك بسبب تصريحات قادة حركة حماس واتهام الرئيس بمحاولة ركوب الموجة"، مؤكدًا أن حماس باتت تعول على تطورات العلاقة مع النائب محمد دحلان والتفاهمات الأخيرة معه في مصر للتخفيف من وطأة الحصار على قطاع غزة.

المصدر : الوطنية - بلال عاشور