تقرير/ وجيه رشيد

بريشته وبنظرته الخاصة وبأفكاره الإبداعية على صدر لوحات تمثل رائحة وطن وعبق تاريخ وقصة هوية فلسطينية، يجسد الفنان التشكيلي عادل الطويل من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، ملامح بلاده وتاريخها وتراثها بمعالهما ومبانيها القديمة بتقنية "الغرافيك".

ويعد "الغرافيك" أحد الألوان الخاصة من الفنون التشكيلية الذي يعمل على تنفيذ معطياته مجموعة من المنتجين، يختصون بأعمال الطباعة، والبرمجة، والتغليف والتسويق، فيما يُركز بشكل أساسي على التمثيل المرئي للأفكار والرسائل.

ويستحضر عادل الطويل (27 عامًا)، بجانب فريق شبابي أطلق على نفسه اسم "ميماس"، في إنتاجه للفنون البصرية ولوحاته الفنية، مشاهد جميلة من الذاكرة الفلسطينية تارة وإظهار معاناة اللاجئين في مخيمات اللجوء تارة أخرى عبر تقنية "printmaking" وهي أحد تقنيات الطباعة المستخدمة في إنتاج اللوحات الفنية الأصيلة، تُصنع المطبوعات من خلال مجموعة من الخطوات، تبدأ بالرسم ثم النقش ثم التحبير على القالب، ثم بنقله على الورقة باستخدام المكبس.   

            Image

"ميماس"

ويرجع تسمية الفريق بهذا الاسم الذي تأسس عام 2021، إلى أنه قبل الميلاد وتحديدًا شمال غرب غزة بني ميناء أنثدون، ثم ميناء "ميماس" الذي أزهر وأصبح من أكثر الموانئ الفلسطينية شهرةً، حيث صدّر النبيذ لأوروبا طوال الحقبة البيزنطية، وكافأها الإمبراطور قسطنطين وجعلها أبرشية مستقلة عام 335م.

وأُطلق اسم "ميماس" على البوابة الغربية والأهم لسور غزة قديمًا، والذي ضم أيضًا باب عسقلان شمالًا وباب الخليل شرقًا، وباب دير الروم جنوبًا، وبعد الفتح الإسلامي، ارتبطت غزة بالمشرق، وفقدت "ميماس" ارتباطها بموانئ المتوسط فتدهورت أحوالها حتى انقرضت، واختفت من خرائط العالم، حتى اكتُشف موقعها عام 1884م على يد كيث.

وتقع هذه الآثار اليوم في منطقة البلاخية بمخيم الشاطئ، وتمتد الآثار لضواحي "ميماس" حتى تل الشيخ عجلين جنوبًا.

محطة الانطلاق

وخلال مشاركته بإحدى ورشات الفنون التي قدمها الفنان العالمي الأردني حكيم جماعين الذي قدم للمشاركين شرح وافي وشامل عن فن "الغرافيك"، عزم عادل الطويل على توفير كافة الأدوات الخاصة التي يحتاجها هذا الفن.

وقال الطويل، خلال حديثه لـ "الوطنية"، إن هذا الفن يعتمد على إيصال الأفكار والمفاهيم الفنية بطريقة خاصة بما يشمله من تقنيات معاصرة به خلاف استخدام التقنيات الأخرى كالتصوير والبحث.

وأوضح أنه انطلاق في هذا الفن من خلال مشروع "ميماس" عبر توفير الأدوات التي تساعد على إنشاء الأعمال الفنية.

ولهذا الفن خصوصية كبيرة في إعطاء قيمة فنية خاصة الطبعة الناتجة عن هذا النوع من الفنون لاحتوائه على ترقيم خاص بكل طبعة تعطي العمل الخصوصية والقيمة الفنية للعمل.

ولإنتاج عمل فني بتقنية "الغرافيك"، قطعة من الجلد المطاطي تسمى باسم فني (كليشة اللينوليوم)، ليتم بعدها حفرها ثم تحبيرها من خلال ألوان خاصة وطباعتها على ورق خاص بالطباعة أما يدويًا أو عن طريق مكبس خاص بالطباعة.

             Image

تسويق اللوحة

ووفق الطويل، فإن عملية التسويق والترويج للأعمال الفنية عبر منصات ومواقع التواصل الاجتماعي لعرض المُنتجات، وتحديد الفئة المهتمة، ثم التواصل مع الشريحة المُهتمة مُباشرة، للتعريف بالمُنتَج وتفاصيله ومن خلال السوق الخارجي مثل المعارض الفنية أو مقتني الأعمال الفنية.

تُطبع الرسمة على الأوراق المخصصة طبقاً لمعيار ومقاسات محددة، وفق قوانين "فيينا" الخاصة بالطباعة عالمياً، إذ يحدد العدد المطلوب طباعته من كل لوحة، وتُرقم، بينما يخربش ويخرّب العمل ما بعد الأخير، ويطبع وهو على الهيئة المخربة، لضمان عدم تكرار طباعة الرسمة مجدداً بعد الانتهاء من آخر رقم حُدد.

وبعد الانتهاء من طباعة اللوحة، تُرفق شهادة منشأ مع كل عمل فني، تتضمن صورة العمل واسم الفنان، وتاريخ إنشائه، واسم العمل بقلم الرصاص، وذلك لضمان عدم التزوير وإثبات أصل العمل لحماية الرسومات، وإضافة قيمة إضافية لها، ثم تغليفها.

            Image

حرية

وقال الطويل، إن أول عمل فني أنتجها كان عبارة عن لوحة أطلق عليها لقب "حرية"، حيث كانت تحتوي على سمكة وجسد شاب في مقتبل العمر يهاجر عن طريق البحر بحثا عن حياة الإنسانية الكريمة.

وأكد أنه يعمل بالعديد من تقنيات الفنون البصرية المعاصرة، ولكن لعدم توفر هذا الفن بغزة بشكل واضح وكامل وعدم العمل به بشكل أساسي، عملت على اختيار هذا الفن للعمل على تأسيسه بغزة والعمل على انتشاره بشكل جميل ومفيد لجميع الفنانين.

رائحة وطن وعبق تاريخ

وأضاف الفنان التشكيلي أنه يعمل من خلال أعماله الفنية على توثيق المعالم الأثرية في فلسطين من سياحة ونباتات وأشجار وطيور والحياة عامة وغزة خاصة.

ولم يسلم المشروع الناشئ في بداية طريقه من العقبات، كعدم توفر الخامات التي يمكن من خلالها إنتاج الأعمال الفنية، إضافة إلى عدم توفر حاضنة من الوزارة الثقافة بالمشروع وصعوبة السفر لتبادل المعرفة العلمية والمعرفية.

            Image

طموحات

ويأمل الطويل في توسيع "ميماس" بشكل كبير بجعله يحتوي على العديد من المكابس والأدوات، والعمل على إنشاء مكتبة فنية قيمة تشمل العديد من الأبحاث والكتب الفنية لتغتي الساحة الفنية بالكثير من الثقافة الفنية.

ويطمح للمشاركة في العديد من المعارض الفنية الدولية والمحلية والتبادل المعرفي بين المختبرات الفنية بين بيوت الجرافيك في العديد من الدول العربية والعالمية.

مشاريع وإن بدت صغيرة لكنها كبيرة في إبرازها لمعالم فلسطين تاريخًا وتراثًا وثقافة لربط الأجيال الجديدة بحضارة أجدادهم والعمل على مواجهة محاولات الاحتلال الإسرائيلي سرقتها ما يتطلب دعهما من قبل المؤسسات الفنية والثقافية.

المصدر : الوطنية - وجيه رشيد