تقرير/ وجيه رشيد

ليس شرطًا أن تكون كامل الأوصاف الخلقية لتحقيق آمالك وطموحاتك، فلا يأس مع حياة ولا حياة من اليأس يترجمها الشاب حسام سدودي من حي الشجاعية شرق مدينة غزة الذي جعل من إعاقته ممرًا لإثبات ذاته.

يعد حسام نموذجًا لأصحاب الهمم الذين تغلبوا على إعاقتهم ونفضوا الغبار عن أحلامهم، ففي لحظةٍ ما عندما يؤمن المرء إيمانًا كاملًا بنفسه، يستطيع أن يُطوّع التحديات والصعوبات التي تعترضه لأجل أهدافه، كيف لو كان ما يواجهه "إعاقة" رافقته منذ الطفولة؟ وقتها "تُصبح معجزة إذا ما اقترنت بإرادة صلبة".

ولم تكن الإعاقة التي رافقته منذ ولادته عائقًا أمام تحقيق مراده في أن يصبح محامٍ يترافع أمام القضاء في المحاكم، معجزة ربما تكون للبعض لكنها كانت بالنسبة له إرادة صلبة للإبداع الكامن في داخله.

نافذة الأمل

قرر حسام (34 عامًا) وهو أب لطفلة، العودة إلى مقاعد الدراسة في إحدى المدارس الحكومية في حي الشجاعية ليتمكن من إنهاء دراسة السادس والتاسع والثانوية العامة في ثلاث سنوات، ليخوض بعدها غمار الحياة الجامعية في دراسة الحقوق التي أتمها بتفوق أيضًا.

وشق طريقه على كرسيه المتحرك في مزاولة مهنة المحاماة وأضحى أول شخص من ذوي الإعاقة يدخل المحاكم ويترافع أمام القضاء دون أن تضع الإعاقة حدا لطموحاته التي وصل بها إلى آفاق لا حدود لها.

الشغف والإصرار كانت طريقه نحو قهر الصعاب مهما كبرت أو تعاظمت، فالإرادة الصلبة والطموح كانت نقطة تحول حسام، خلال حديثه لـ "الوطنية".

بداية المدرسة

لم تكن فترة طفولته كباقي الأطفال، حيث أغلقت المؤسسة التي كان يتلقى العلم فيها وكان اسمها "الهيئة الخيرية" إذ تعلم بها من سن 6 وحتى 9 ليجلس بعدها عامًا كاملًا في المنزل إلى أن انتقل إلى مؤسسة فلسطين المستقبل لغاية 2010.

وقال حسام، إن الأوضاع كانت صعبة خلال عام 2010 بسبب عدم الاستفادة التعليمية من الناحية المنهجية في تلك المؤسسة، مشيرًا إلى أنه كان مستاءً من وضعي وشعوري بفقدان مستقبلي.

وأضاف: "في ذات العام اتخذت قرارًا بأن يكون هذا العام الأخير في مؤسسة فلسطين للمستقبل، وقررت تحدي الصعوبات وتحويل من وضعي وأظهر في المجتمع بصورة تليق بذاتي وبطموحاتي".

انتقل حسام إلى مدرسة "ابن الهيثم" الحكومية ليتلقى بما يعادل الصف السادس حيث كان عمره حينها (23 عامًا) ثم الصف التاسع، إلى أن التحق بالثانوية العامة منتصف 2012، ليلتحق بعدها بجامعة الأزهر ودراسة ما كان يمليه عليه قلبه وهو تخصص الحقوق.

سبب اختيار المحاماة

وقال حسام سدودي إن هذه المهنة لا يقتصر صعوبتها على الأشخاص الذين يعانون من إعاقات مختلفة وإنما على الجميع، إلا أنني تمكنت من تخطي كافة العقبات والتحديات.

وتابع: "هناك هدفين لدراسة هذا التخصص، فالأول لقوة شخصيتي رغم إعاقتي ولتحقيق طموحي والدفاع عن حقوق المظلومين بغض النظر عن متاعب هذه المهنة".

أما الثاني، لإبراز الصورة النمطية الخاطئة عن ذوي الإعاقة بصورة أقوى وأفضل باعتبار أن هذه الفئة مهمشة، حيث أن مؤسسات ذوي الإعاقة استثمارية ولا تدافع عن حقوق ذوي الإعاقة وبتحول التسول على حساب ذوي الإعاقة.

وأكد أنه قرر دراسة المحاماة لأكون ممثلًا لذوي الإعاقة وأتحدث عن معاناتهم والصعوبات التي يواجهوها في المجتمع، ولمساعدتهم ومساندتهم.

التنمر قوتي والإعاقة فخر

وبين أنه لم يخجل من إعاقته إطلاقًا، فلو خجلت منها لما ظهرت في المجتمع ولما تعايشت، ولم أستطع الوصول إلى ما وصلت إليه الآن باعتباري أول شخص من ذوي الإعاقة يترافع أمام القضاء كباقي المحامين وبكافة الحقوق وبدون إنقاص.

وعبر عن فخره واعتزازه بإعاقته رغم ما أمر به من صعوبات.. "فالكمال لله"، مشيرًا إلى أنه تعرض للكثير من حالات التنمر والتذمر مع بعض الناس لكن تلك الكلمات كانت سلاحي للتفوق وتحقيق المراد.

وأردف: "كلام المتنمرين كانت مصدر قوتي، فأصاحب ذوي الهمم لديهم حقوقهم وطموحاتهم ومشاعرهم". لافتًا إلى أن الإعاقة شرف وكرامة داعيًا جميع ذوي الإعاقة لعدم الخجل إطلاقًا، فالقوة تأتي بعد الصبر والطموح والإصرار والتحدي للظهور في المجتمع بطريقة تليق بنهم.

المثول أمام المحكمة

وقال حسام إن نظرة القضاة في أول مرافعة قمت بها أمام المحاكم الشرعية عام 2019، مدهشة باعتباري أول شخص من ذوي الإعاقة يمثل أمام المحكمة دفاعًا عن قضية معينة.

وأشار إلى أن معاملة القضاء لم تكن هناك تمييز سواء سلبي أو إيجابي، كانت المثول أمام القضاء لأول مرة كانت هناك رهبة وغم ذلك كانت هناك قبول من قبل القضاء.

وأنهى كافة إجراءات مزاولة المهنة وأدرى القسم القانوني، ليبدأ المشوار الذي سعى لتحقيقه.

ويعاني حسام كباقي أصحاب الهمم العالية صعوبات جمة متعلقة بالأجهزة الكهربائية التي يستخدمونها للتنقل بتعطلها وعدم القدرة على توفير بديل لها وتكلفتها العالية.

ويصادف يوم الثالث من ديسمبر/ كانون الأول من كلّ عام، اليوم العالمي لذوي الإعاقة والذي خصص من قبل الأمم المتحدة منذ عام 1992م، بهدف زيادة الفهم بقضايا الإعاقة ودعم التصاميم الصديقة للجميع من أجل ضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

ويبلغ عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في فلسطين، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني حوالي 93ألفاً، ويُشكل هؤلاء ما نسبته (2.1%)من مجمل السكان موزعين بنسبة (48%) في الضفة الغربية و(52%) في قطاع غزة.

وشكّلت الإعاقة الحركية، واستخدام الأيدي النسبة الأعلى بينهم بنحو (47,109) فردًا أي ما نسبته (51%) من الأشخاص ذوي الإعاقة، وحوالي خُمْس الأشخاص ذوي الإعاقة هم من الأطفال دون سن الثامنة عشرة، بنسبة (20%)، وكانت النسب أكثر انتشاراً في قطاع غزة (22%) مقارنة بالضفة الغربية (17%).

 

المصدر : الوطنية - وجيه رشيد