يقف مرتديًا بدلته البيضاء أو الزرقاء حسب الاختيار، على بساط طوله متران وعرضه متر، يقابله خصمٌ في نزال دولي يشتعل مع كل صوت يحدق في المكان، ذو لهجة مختلفة غير التي تسمع في نزال محلي داخل قطاع غزة.
كأن ما كتب، مجرد كلمات عابرة تلخص رغبة شخص ما، لكنها في الواقع تعبر عن حلمٍ وُلِدَ منذ تسع سنوات، على بساط رياضي مخصص للعبة قتالية يابانية تعرف بـ "الجودو"، فذلك الحلم يتجدد بكل حين في ذهن إبراهيم ادغيش سواء كان في نومه أو صحوته.
ادغيش (26 عاماً) يسابق الزمن، ويحاول أن يحقق حلم حياته قبل أن تظلمه لعبته "الجودو" بنفسها وتقول له " لقد تأخرت يا إبراهيم، فالقطار لا يأخذ أصحاب الثلاثين من العمر". فقد حصل على عدة ميداليات ذهبية في الوزن الثقيل على مستوى القطاع، الذي يُحرم رياضيّوه من المشاركة في أي بطولة دولية، نظرًا لظروفه السياسية المؤثرة على مفاصل الحياة الرياضية وغيرها.
ومصطلح "جودو" يحمل معنيين، المدلول الأول "المرونة والتكيف"، والثاني على الطريق والمبدأ، ويمكن ترجمتها على أنها طريقة المرونة أو مبدأ التكيف، حيث حُذفت من هذه اللعبة العديد من التقنيات الخطيرة، حتى يُفتح لها باب الدخول إلى الألعاب الأولمبية.
تركت "الوطنية" ادغيش- الذي علت وجهه ملامح الحسرة- ليحدثها عن نفسه، لعدم استطاعته الخروج من غزة للمشاركة في بطولة "الجودو" لسنة 2019، والتي أقيمت في المغرب، قائلاً:" أنا مدربُ بهذه اللعبة ولدي 40 لاعب ناشئ من مختلف الأعمار، رشح اسمي هذا العام للمشاركة في بطولة أندية عربية، لكني منعت من السفر بدون سبب".
وطيلة السنوات الماضية، حاول أكثر من مرة للالتحاق بالبطولات الخارجية، لكن الفشل كان يلازمه في كل محاولة، فالمحاولة الأخيرة كادت أن تكمل قصته بكامل فصولها، إلا أن أوراقها تساقطت أمام عينيه، "لأنه محسوب على منطقة، بعيدة كل البعد عن عالمها الخارجي".
وقال ادغيش الذي يطارده شبح الثلاثين عن محاولته الأخيرة للسفر إلى المغرب،" إسرائيل سمحت لي بالخروج عن طريق الأردن، بعد ذلك رفض الأردنيون إعطائي عدم الممانعة، ثم لجأت للسفر عن طريق مصر عبر معبر رفح البري ودرج اسمي في كشوفات المسافرين وحين وصلت الصالة المصرية أخبروني عليك أن ترجع إلى غزة، لذريعة المنع الأمني".
وكانت خطواته هذه تتم بالتنسيق مع اتحاد "الجودو" في فلسطين واللجنة الأولمبية الفلسطينية ومجلس الأعلى للشباب والرياضة، إذ عبر عن استيائه إزاء ما حدث معه، مؤكدًا عدم ارتباطه بأي فصيل سياسي وعسكري.
ويشارك باستمرار لاعبي الضفة في البطولات الخارجية للعبة "الجودو"، فيما لاعبي غزة يحرمون منها، ما أجبر دغيش على التساؤل "لماذا الرفض والحرمان؟، واصفًا ما يجري بـ "المهزلة".
وأمنية ادغيش واحدة كما نظرائه في الرياضات الفردية الأخرى، وهي "إعطاء الألعاب الفردية أهمية وأولوية كما الألعاب الجماعية"، مع بقاء أمله حيًا، وينتعش بإصراره ومثابرته على مواصلة لعبة "الجودو" (حتى يقبض الله روحه)..
وتتركز روعة لعبة "الجودو" التي تأسست عام 1882 في اليابان عند محبيها، حين يسيطر اللاعب على الخصم ويشل حركته، وهذا يكون في أوقات كثيرة أفضل من إيذاء خصمه.
رئيس اتحاد "الجودو" في غزة وائل الطحال عاد ليشعل النار في جسد ادغيش العاشق للعبة "الجودو"، ليخبر "الوطنية" بالهاجس القاتل لحلم صاحب البشرة السمراء، بأن الاتحاد يرفض مشاركة لاعبين أعمارهم فوق 29 سنة.
فأكد طحال أن الاتحاد بذل جهودًا جبارة من أجل خروج لاعبين قد رشحا لبطولة الأندية في المغرب، الذي من ضمنهما دغيش الذي توج بطلاً للوزن (سالب 100 كيلو جرام) على مستوى القطاع.
وعن هذه الجهود، أشار إلى أنه جهز للاعبين (الفيزا والأوراق الرسمية وتذاكر الطيران)، بالإضافة إلى إجرائه تنسيقًا مع المخابرات المصرية لخروجهما عبر معبر رفح، مستغربًا من عدم سفرهما، لافتاً إلى إقامة بطولة العالم في آخر شهر أبريل القادم، وهناك احتمال أن يشارك واحد من اللاعبين ويرافقه إداري.
وأصبح للعبة "الجودو" أهمية وانتشار واسع في فلسطين، وعدد المنتسبين إليها في ازدياد وخاصة من فئة الإناث، وسط إمكانيات كبيرة يمتلكها الاتحاد، وفق الطحال.
ليث شحادة_ الوكالة الوطنية للإعلام_ غزة
المصدر : ليث شحادة_ الوطنية