مع دعوة مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الاوروبي بوريل لوزير خارجية دولة الاحتلال لزيارة بروكسل، في وقت يقترب فيه موعد زيارة رئيس وزراء حكومتنا في نهاية الشهر الحالي وفق ما تم الإعلان عنه لمقر الاتحاد الأوروبي. فقد اَن الأوان لأوروبا اكثر من اي وقت مضى أن تبتعد عن تبعية السياسة الخارجية الأميركية بشأن قضيتنا الوطنية وذلك بالرغم من الأزمات الأوروبية القائمة اليوم ، وأن تأخذ دورها وزمام المبادرة وتحاول القيام بما لم تقم به الولايات المتحدة لاعتبارات مختلفة لا يتسع الحديث عنها في هذا المقال .

المطلوب دور أوروبي يتفق ويتماثل مع الانظمة الأساسية لدولها كما ولأسس نشوء الاتحاد الأوروبي، بما يساهم في إعادة رسم العلاقة مع اسرائيل وممارسة الضغط الفعلي عليها للوصول إلى ما ينهي الظلم التاريخي الاستعماري بحق شعبنا ويحقق العدالة النسبية لقضية السلام والأمن والاستقرار بالمنطقة والحرية وحق تقرير المصير لشعبنا ويضع حدا لتطور نشوء نظام فصل عنصري جديد بعد سقوط سابقه في جنوب إفريقيا.

وحيث أن حكومة الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي الجديدة اصبحت تحمل طابعا فاشيا دينيا اكثر وضوحا ومنفّراً للمجتمع الدولي وبالتأكيد لقيم ومبادئ الاتحاد الأوروبي النظرية تسقط فيها ادعاء "حالة احتلال عسكري مؤقت" والادعاء "بديمقراطية اسرائيل"، فهي فرصة الآن أمام الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء لإعادة النظر بالعلاقة القائمة مع اسرائيل والتي تتمثل اساسا بالعلاقة الاستراتيجية بينهم سندا لاتفاقية الشراكة ولأشكال التعاون بالقطاعات المختلفة ومنها العسكري .

ان معظم برلمانات دول الاتحاد الأوروبي كانت قد اتخذت قبل سنوات توصيات تدعو حكوماتها للاعتراف بدولة فلسطين المستقلة والمتواصلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، كما وايضا قرارات تتعلق بإدانة الاستيطان ومقاطعة منتوجاته، كما ودعا برلمانيون واحزاب ونقابات وبلديات اوروبية الى فرض عقوبات على هذه الدولة العنصرية والتنديد بسياساتها الوحشية بكافة المحافل الدولية والاقليمية.

الا انه وبالرغم من كل ذلك النهوض الشعبي الاوروبي بالتضامن مع شعبنا، فقد استمرت حكومات دول الإتحاد الاوروبي في اتباع سياسات انتقائية تعتمد ازدواجية المعايير تجاه تداعيات الاحتلال الإسرائيلي بمقارنة مع القضايا الأخرى الناشئة بالعالم، بل والى مساواة الضحية بالجلاد كأساس للعديد من مواقفها اللفظية كما ولإشادة مسؤولي الاتحاد الأوروبي "بنموذج ديمقراطية إسرائيل" لفترة طويلة من الزمن .

ان على الاتحاد الأوروبي اليوم ان يدرك أمام صعود الفاشية الدينية في نظام دولة الاحتلال بشكل واضح وما له علاقة بذلك من اجراءات تتخذها حكومتهم بشأن تقويض النظام القضائي وسحق أسس العدالة والديمقراطية المفترضة وفق تصريحات الاسرائيليين انفسهم التي اعتبرت ذلك انقلابا على الجهاز القضائي ودعت لمظاهرة مساء اليوم السبت وللعصيان المدني.

إضافة إلى التشريعات الجديدة التي أضافت جوهرا عنصريا لقانون قوميتهم اليهودية، والمتمثلة في سحب الجنسيات من الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل وتحديدا الأسرى منهم وقانون منع رفع العلم الفلسطيني، هي جميعها تتسم بشرعنة العنصرية وتشكل انتهاكات واضحة للقانون الدولي الإنساني والاعلان الأساس لحقوق الإنسان الذي يفترض ان يمثل جوهر الثقافة الأوروبية والمبادئ الأساسية للأتحاد الأوروبي.

ان ما يجري اليوم يؤكد للقاصي والداني ولكل دعاة الديمقراطية بالغرب، أن "دولة" قامت على أساس التطهير العرقي وفكر الاستعمار الاستيطاني بعد ٧٥ عاما دون مساءلة من النظام الدولي القائم بل وبتشجيع على ارتكاب جرائمها، أن يَتسم النظام السياسي فيها الاَن بأعلى أشكال الفكر الصهيوني الفاشي وتصاعد أزماتها الداخلية والفوضى السياسية وبالإصرار على تطويع تشريعاتها ونظامها القضائي على هذا الأساس مما قد يزيد من تهديد للاستقرار بالمنطقة والتوحش ضد ابناء شعبنا .

من جهة اخرى فان اعلان بنيامين نتنياهو أن حكومته الجديدة ستعمل وفقاً لعدد من التوجهات من أبرزها، "أن للشعب اليهودي حقاً حصرياً وغير قابل للتصرف في جميع أنحاء "أرض إسرائيل"، بحيث تشجع الحكومة توسيع الوجود اليهودي في جميع أنحاء أرض إسرائيل"، يجب أن يقرع ناقوس الخطر أمام الاتحاد الأوروبي من التداعيات الخطيرة المترتبة على ذلك ومن ارتفاع وتيرة جرائمها اليومية ضد شعبنا وفق ما هو حاصل منذ بداية العام بشكل غير مسبوق.

فإذا كانت الدول الأوروبية من خلال الاتحاد الأوروبي لا تزال تعتقد بعد تلك التصريحات الصادرة عن رئيس حكومة دولة الاحتلال وتصاعد الجرائم على الأرض، أنه من الممكن تنفيذ تصور "حل الدولتين" كخيار اممي وفق القرارات الدولية، فإن العديد من المبادرات المفيدة والضرورية في هذا الإتجاه قد تكون متاحة امام الأوروبيين أنفسهم على الفور لمواجهة هذا الموقف.
وحتى لا يبقى الأمر متعلقا بتصريحات أو ببيانات لفظية تَتخِذ في بعض الأحيان شكل النفاق السياسي، فيمكنهم اولاً مراجعة اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية وتقديم تطبيق عملي لدعم وتعزيز شرعية مبدأ حل الدولتين من خلال الانضمام إلى الدول التي اعترفت بدولة فلسطين على حدود ما قبل ٤ حزيران ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية وكما بقرار ١٩٤ المتعلق بقضية لاجئينا . والأكثر أهمية طالما انهم قادرون على فرض عقوبات على دول مختلفة، فبامكانهم فرض عقوبات اقتصادية وكذلك سياسية على إسرائيل وتكثيفها حتى تمتثل إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال الاستعماري للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وتنهي الاحتلال الذي دام اكثر من "٥٥ عاما" حتى اليوم إضافة إلى أشكال الفصل العنصري باعتباره جريمة اخرى .

اما اذا كانت الدول الأوروبية ما زالت تعيش عقدة الخوف من المال اليهودي او شماعة معاداة السامية والهولوكست، فهي بذلك غير مستعدة لاتخاذ مثل هذه المبادرات العملية، أو إذا كانت قد توصلت إلى قناعة بأن "حل الدولتين" لم يعد ممكنا وأن القضية الوحيدة الآن هي ما إذا كان واقع الدولة الواحدة الحالي سيستمر كحقيقة نظام فصل عنصري إسرائيلي بفوقية يهودية، هو ما يمكن تحويله إلى واقع ديمقراطي كما قد يعتقدون هم ، فيجب عليهم التفكير في تاريخهم الأوروبي ومسؤولياتهم من أجل تحديد الطريقة الأكثر فائدة للمضي قدما بذلك حتى تتوفر الديمقراطية والعدالة والحقوق المتساوية في دولة واحدة. وهو نموذج قد يكون أكثر واقعية امام الأوروبيين من أجل السلام الحقيقي بعيدا عن اشكال الفوقية والأضطهاد القومي بدلاً من الإستمرار في إعادة تدوير عملية سلام مفترضة لا تجد شريكا اسرائيليا وقائمة على تقسيم الأرض وتوسيع الأستيطان والتهويد.

ان اعلان الاتحاد الأوروبي بشأن مطالبة دولة الاحتلال بالتعويض عن اضرار اعتداءاتها يجب ان يتبعه مواصلة الفعل السياسي الذي فقط يشكل الضمانة لدعم القطاعات الاقتصادية لشعبنا، حيث ان إنشاء دولته المستقلة هو الضامن الوحيد للتنمية التي يحاول الاوروبيون المساهمة فيها، وهو الحل الوحيد لإنهاء الصراع القائم وإحلال الأمن والسلام الأمر الذي لن يشكل فقط مصلحة لمستقبل الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، بل مصلحة في اسقاط الفصل العنصري كنظام ومصلحة أيضا لكل الجيران الأوروبيين في شرق المتوسط .