ناقشنا في الجزء الأول من هذا المقال الأسباب التي دفعت "التيار الديني الصهيوني" إلى محاولة التغلغل والسيطرة على مؤسسة "الجيش" والأجهزة الأمنية الأخرى ذات الصلاحيات الواسعة في "إسرائيل"، واستعرضنا كذلك بعض المعطيات التي تشير إلى ارتفاع منسوب العنف غير المبرر ضد المواطنين الفلسطينيين العزّل، والتي استدعت مواقف محلية ودولية مستنكرة ومحذرة من تنامي تلك العدوانية المفرطة المغلّفة بخلفية أيديولوجية متطرّفة.

في هذا الجزء، سنحاول الإضاءة على الوسائل التي استخدمها "التيار الديني الصهيوني" للوصول إلى أهدافه، وكذلك التداعيات المحتملة التي يمكن أن تنشأ عن هذا الانزياح الواضح للمؤسسة العسكرية والأمنية الصهيونية باتجاه اليمينية المتطرفة، والذي سيُترجم من دون أدنى شك بمزيد من العنف والقتل والإجرام.

أولاً: الوسائل

قام "التيار الديني الصهيوني" باستخدام العديد من الوسائل ليتمكن من التسلّل رويداً رويداً إلى مؤسسة "الجيش" والمؤسسات المهمة الأخرى. وقد اعتمد بشكل كبير على "دغدغة" عواطف أنصاره من خلال رفع الشعارات الدينية التي تدعو إلى الانخراط في صفوف الوحدات المقاتلة، وصولاً إلى السيطرة على المراكز العليا فيها، ونحن بدورنا سنشير فيما يلي إلى وسيلتين فقط منعاً للإطالة من جهة، ولأنهما من جهة أخرى كانا الأكثر تأثيراً في "انقضاض" أتباع التيار الديني على مؤسسة "الجيش".

1/ التعبئة الدينيّة واستخدام "الفتاوى"

استخدمت المرجعيات الدينية "للتيار الديني الصهيوني" الفتاوى التي تدعو الأنصار والأتباع إلى الالتحاق بالوحدات القتالية لـ"الجيش" الصهيوني، معتبرة ذلك الأمر مهمّة "مقدسة" لا يجوز التخلّف عنها أو إدارة الظهر لها.

وبخلاف "التيار الديني الأرثوذكسي" الذي كان يعارض إقامة "دولة إسرائيل" من الأساس، ويرى أنَّ تأسيسها يجب أن يلي نزول "المسيح المخلص"، فإنَّ "التيار الديني الصهيوني" كان يرى عكس ذلك، وكان يعتقد أن تأسيس "إسرائيل" هو مقدمة وضرورة لنزول "المسيح".

لذلك، حرص حاخامات هذا التيار على استخدام "الفتاوى الدينية" لدغدغة مشاعر أنصارهم ودفعهم إلى الالتحاق بوحدات "الجيش" القتالية، إذ أصدر الحاخام إبراهام شابيرا الَّذي كان يشغل منصب الحاخام الأكبر في "إسرائيل" من عام 1983 إلى عام 1993 فتوى دينية تعتبر أن "الخدمة العسكرية والروح القتالية مهمة جماعية يفرضها الرب، وتهدف إلى قيادة المشروع الصهيوني والمحافظة عليه".

من جانبه، أصدر الحاخام مردخاي إلياهو، الزعيم الروحي للحركة الصهيونية الدينية، فتوى في مطلع تسعينيات القرن الماضي، نصّت على اعتبار التطوّع للخدمة في الوحدات القتالية في الكيان الصهيوني واجباً شرعياً على كل قادر، وأن التخلّف عن أداء هذا الواجب يُعتبر معصية للرب وتنكّباً لدرب "الأنبياء" والمخلصين من بني "إسرائيل".

2/ المسارات التعليمية "الدينية"

تم الاتفاق بين "التيار الديني الصهيوني" وقيادة "الجيش" الإسرائيلي على عدم مسّ الخدمة العسكرية التي ينخرط فيها أتباع التيار بالعلوم الدينية التي يجب عليهم تحصيلها. ولضمان هذا الأمر، تم التوافق على مسارين تعليميين متوازيين، بحيث لا يؤثر أحدهما في الآخر بالسلب، فتمَّ إنشاء نوعين من المؤسسات التعليمية للوصول إلى هذا الهدف، كانتا تحت إشراف المرجعيات الدينية التابعة للتيار بصورة تامة، ولم يُسمح لـ"الجيش" بالتدخل في المناهج التعليمية أو طرق التدريس، في حين تكفّل الجيش بالإنفاق على تلك المؤسسات مالياً فقط.

بموازاة ذلك، وفي بداية تسعينيات القرن الماضي، تم إنشاء أكاديميات سُميت "يشيفوت ههسدير"، كانت مخصصة لتلقي الطلاب المتدينين تعليمهم الديني، بالتزامن مع الالتحاق بالخدمة العسكرية، بحيث يتم تلقي العلوم العسكرية لمدة 6 أشهر، ومن ثم يتم تلقي العلوم الدينية لمدة مماثلة، وهكذا حتى إنهاء الخدمة الإلزامية أو التوجه بعدها إلى تخصصات أخرى كانت في الغالب باتجاه أجهزة الاستخبارات وألوية النخبة.

وقد مثّل ظهور تلك الأكاديميات نقطة فارقة في زيادة عدد المتدينين الراغبين في الالتحاق بالوحدات القتالية المختارة، إذ بلغت نسبة خريجي هذه الكليات الَّذين التحقوا بالوحدات القتالية نحو 80%، في حين حصل 30% على رتبة ضابط وما فوق، مع الإشارة هنا إلى أنَّ وحدات "الجيش" المختلفة تفضّل الخريجين المتدينين على العلمانيين، بذريعة أنهم يملكون دافعية أكبر للقتال.

ثانياً: التداعيات

من المتوقع حدوث الكثير من التداعيات لسيطرة "التيار الديني الصهيوني" على المفاصل الأساسية في "الجيش" الإسرائيلي، وربما في مرحلة قادمة على مجمل المؤسسات السياسية والاقتصادية في "إسرائيل"، وستشمل التداعيات المرتقبة الساحة الداخلية الإسرائيلية، وكذلك العلاقة مع المحيط الجغرافي، سواء في الأراضي الفلسطينية، وتحديداً الضفة الغربية والقدس، أو الدول التي تُصنّف إسرائيلياً "معادية".

سنحاول أن نستعرض باختصار جزءاً من تلك التداعيات وما يمكن أن ينتج منها من نتائج ستؤثر دون أدنى شك في المنطقة برمتها.

1/ السيطرة على مفاصل "الدولة" ومؤسساتها وقرارها

يتوقع الكثير من الخبراء والمختصّين، ولا سيما الإسرائيليين، العديد من التداعيات الخطرة لسيطرة "التيار الديني الصهيوني" المحتملة على مؤسسات "الجيش" في "إسرائيل". ويذهب بعض هؤلاء الخبراء إلى الاعتقاد بأن تلك السيطرة ستؤثر في متانة "إسرائيل" نفسها وقوتها وترابطها الداخلي، سواء على المستوى الشعبي أو على صعيد مؤسسات الدولة.

في هذا الجانب، يقول وزير القضاء الإسرائيلي الحالي ورئيس حزب "أمل جديد" جدعون ساعر: "إن التحالف بين الليكود والتيار الديني الصهيوني بعد الانتخابات الأخيرة سيؤدي إلى تفكيك مؤسسات الدولة". 

هذا التخوّف الذي أبداه ساعر سبقه إليه رئيس الموساد السابق إفرايم هليفي، عندما قال: "إن التهديد الحقيقي لدولة إسرائيل يأتي من برنامج المتدينين الحريديم ومعتقداتهم، وليس من برنامج إيران النووي".

يرسم كتاب "قبّعة وقبّعة"، الذي شارك في إعداده مجموعة من الباحثين والكتّاب، وأشرف على تحريره الدكتور رؤوفين جال؛ كبير الأطباء النفسيين في "الجيش" الإسرائيلي سابقاً، صورة سوداوية لمستقبل "إسرائيل" والمنطقة في حال تمكَّنت القوى اليمينية، وأنصار "التيار الديني الصهيوني" تحديداً، من السيطرة على مفاصل "الدولة"، لا سيّما مؤسسة "الجيش" وأجهزة الاستخبارات.

وقد توقّع الكتاب، بحسب معديه، أن تسير السياسة الداخلية والخارجية للكيان الصهيوني وفق ما يرتئيه الحاخامات والمرجعيات الدينية، وليس كما كانت الحال في سنوات خلت، إذ كان المستوى السياسي صاحب الكلمة الفصل في تحديد تلك السياسات.

من جانبه، يرى الباحث عمير بار أور أن السماح للمتدينين بالتنافس على الوصول إلى مراكز التأثير في "إسرائيل" سيهدد حصول الإسرائيليين غير المنضوين تحت جناح هذا التيار على ما سمّاه "حقوق المواطنة"، بما يمكن أن يؤسس في مرحلة لاحقة لانقسام داخلي ربما يصل إلى حرب أهلية.

 2/ العلاقة مع الفلسطينيين

بات واضحاً من خلال الشعارات التي ترفعها مرجعيات "التيار الديني الصهيوني"، وتدعو إلى ترجمتها على الأرض فيما يخص التعامل مع الفلسطينيين، والتي شاهدنا بعض فصولها على شكل جرائم واعتداءات ارتكبها المنتسبون إلى هذا التيار من الذين يخدمون في "الجيش"، وكنا قد أشرنا إليها في الجزء الأول من هذا المقال، أن مستقبل العلاقة مع الشعب الفلسطيني ستذهب باتجاه المزيد من العنف والتصعيد الذي سيُقابل بالضرورة برد فعل من المقاومة الفلسطينية، ومن عموم الشعب الفلسطيني، بما يمكن أن يُدخل المنطقة برمتها في موجة جديدة وواسعة من القتال.

وبحسب معظم متابعي ارتفاع منسوب التطرّف في مؤسسات "الجيش" الإسرائيلي، وتجذّر المتطرفين في معظم أجنحته وأقسامه، فإنَّ المواجهة القادمة التي لا تبدو بعيدة سيكون صاعق تفجيرها الأساسي ارتفاع منسوب الاعتداءات على مدينة القدس المحتلة، وتحديداً فرض التقسيم المكاني والزماني في المسجد الأقصى المبارك، على غرار ما يحدث في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل، والتوسّع في إقامة المستوطنات في مدن الضفة الغربية، وشرعنة البؤر غير المعترف بها هناك، كما تعهّد وزير "الأمن القومي" الجديد إيتمار بن غفير.

يقول الكاتب الإسرائيلي دانييل كارلي في كتابه "ملائكة في سماء يهودا" أنه يتوقع توجه المتدينين، في ظل سيطرتهم على "الجيش"، إلى إجبار الحكومة الإسرائيلية على السيطرة على المسجد الأقصى وتدميره وإعادة بناء الهيكل الثالث على أنقاضه، إلى جانب طرد الفلسطينيين الذين يقطنون القدس والضفة الغربية في شاحنات إلى الدول العربية المجاورة.

يبدو هذا الاحتمال، بحسب خبراء آخرين، وارداً في ظل الدور الذي تؤديه النخب العسكرية في التأثير في مستوى صنع القرار في "إسرائيل"، إذ إن الحكومات الإسرائيلية تتخذ قراراتها بشكل عام في ضوء التوصيات التي تقدمها الهيئات القيادية في "الجيش"، بوصفها جهات مهنية وذات اختصاص.

ومن النادر أن تتجاهل الحكومات، بصرف النظر عن تكوينها السياسي، توصيات "الجيش"، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام سلسلة من القرارات المتطرفة والعدوانية التي يمكن للحكومة الإسرائيلية اتخاذها بناءً على التوصيات التي يقدمها الجنرالات من أتباع التيار الديني المتطرف، وهم كُثُر.

وقد أشار الكثير من التقارير التي نُشرت في الصحافة الإسرائيلية إلى هذا الأمر، وأكّد أنّ الضّباط المتدينين يقدّمون ولاءهم لتيارهم الأم ويلتزمون المهنية الواجب اتباعها في هذا المجال، وأنهم يتأثرون بخلفيتهم الأيديولوجية المتطرفة إلى أبعد الحدود.

من جانب آخر، سيكون لتنامي سيطرة "التيار الديني الصهيوني" على مؤسسة "الجيش" تداعيات سلبية على ما يُسمى عملية "السلام" مع الفلسطينيين، ولا سيما فريق "السلطة"، وخصوصاً أن أيَّ اتفاق سلام يمكن أن يتم التوافق عليه في ضوء التسوية النهائية سينصّ حتماً على إخلاء جزء من المستوطنات من أراضي الضفة الغربية.

في حال حدوث هذا الأمر، فإنه سيقابل برد فعل عنيف للغاية من قِبل مئات الآلاف من المستوطنين المقيمين فيها، ومن ورائهم، وهو الأهم، آلاف الضباط والجنود من أتباع التيار الديني المتطرف، وهذا ما كان قد حذر منه وزير القضاء الإسرائيلي في حكومة إيهود أولمرت، يوسيف لبيد، عام 2006، إذ وجه حينها نصيحة إلى أولمرت بعدم الذهاب بعيداً في المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، تخوفاً من التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى إخلاء جزء من مستوطنات الضفة، بما يمكن أن يدفع باتجاه اندلاع حرب أهلية في "إسرائيل" وتفكك مؤسَّسة "الجيش".

تلك التخوفات التي عبّر عنها يوسيف لبيد قبل أكثر من 16 عاماً راودت الكثيرين بعد نتائج الانتخابات الأخيرة، وفي مقدمتها قيادة السلطة الفلسطينية، وهو ما دفع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى إجراء مكالمة مع رئيس السلطة محمود عباس، طمأنه فيها إلى أن الموقف الأميركي ما زال ملتزماً خطة "حل الدولتين"، مؤكداً شعور الولايات المتحدة بقلق عميق جراء التوترات المتزايدة، خصوصاً في القدس والضفة الغربية.

ثالثاً: العلاقة مع دول الجوار والإقليم

ربما يعتقد البعض أنَّ قوى "اليمين الصهيونية" تهتم بدرجة أولى بالأوضاع الداخلية في "الدولة"، وأن تعاطيها مع التطورات السريعة في الإقليم، ولا سيما مع الدول التي تُصنف إسرائيلياً "معادية"، سيكون في أضيق الحدود، وأن مواقفها السابقة من الملفات الساخنة في المنطقة ليست واضحة بتلك الدرجة التي تشير إلى أنها تولي كثيراً من الاهتمام بها، ولكن البعض الآخر يعتقد أنَّ وصول "التيار الديني الصهيوني" إلى السلطة من خلال المناصب الوزارية التي سيتولاها قادته سيفرض عليه التعامل مع القضايا التي تُعتبر أولوية لكل الحكومات في "إسرائيل"، وعلى رأس تلك الملفات "البرنامج النووي لإيران" ومجمل العلاقة مع أطراف محور المقاومة في الإقليم.

وهنا، يجب أن ننظر إلى مواقف بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة المكلّف، من إيران على سبيل المثال، إذ يمكننا أن نكتشف بسهولة أنها تتسم بالتطرف والعدوانية بشكل مبالغ به، فقد كان يتبنّى على الدوام إبان فترة حكمه السابقة سياسة تدعو إلى مهاجمة إيران وفرض العقوبات عليها واستهداف برنامجها النووي والصاروخي من خلال عمليات سرية.

ربما يكون نتنياهو اليوم أكثر هدوءاً من قبل بفعل التجربة المريرة والفشل المتكرر الذي مُنيت به كلّ محاولاته السابقة في الملف الإيراني، ولكنَّ هذا الأمر لن ينطبق على شركائه الجدد، أمثال بن غفير وسموتريتش، فهم إلى جانب نزعتهم العدوانية تجاه كل "أعداء إسرائيل" وتجاه كل من يخالف مواقفهم المبنية على عقيدة أيديولوجية متطرفة، يفتقدون الخبرة اللازمة للتعامل مع القضايا الإقليمية الشائكة، وربما يدفعون نتنياهو إلى الذهاب إلى مغامرة غير محسوبة العواقب باتجاه مواجهة عسكرية مع إيران، وإن كان من غير المرجح أن تكون تلك المواجهة مباشرة، وأن تقتصر على زيادة الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية ضد ما يُعتقد أنه مصالح إيرانية.

لبنانياً، يمكن أيضاً أن نشهد تطورات، وخصوصاً في ملف ترسيم الحدود الذي تم الاتفاق عليه برعاية أميركية. أحد السيناريوهات المحتملة في هذا الشأن هو قيام ممثلي "التيار الديني الصهيوني" في الحكومة القادمة بممارسة ضغوط كبيرة على نتنياهو للتراجع عن ذلك الاتفاق الذي يعارضه رئيس الحكومة المقبل من الأساس، حتى إنه رفض حضور الجلسة الخاصة التي دعاه إليها رئيس الوزراء المنتهية ولايته يائير لابيد لمناقشة الاتفاق قبل التوقيع عليه، واعتبر ذلك بمنزلة تنازل أمام تهديدات حزب الله.

تلك الضغوط التي يعتقد معظم متابعي الشأن الإسرائيلي حدوثها، لا يُتوقع أن تدفع باتجاه تراجع كامل عن ذلك الاتفاق، ولا سيما في ظل رغبة نتنياهو في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، في ظل حكم الديمقراطيين، ولكنّه يمكن أن يحاول إحداث تغييرات في بنود ذلك الاتفاق وشروطه، والتقليل من حجم التنازلات الإسرائيلية فيه. هذا الأمر، في حال حدوثه، لن يكون مقبولاً من الطرف الآخر، وهو حزب الله، وهو ما يمكن أن يعيد الأمور إلى المربع الأول الذي قد يوصلنا إلى مواجهة عسكرية واسعة بين الطرفين.

إضافةً إلى ما سبق، يمكننا أن نشهد توتراً في العلاقة بين "إسرائيل" والأردن، على خلفية الارتفاع المتوقع لمنسوب الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك، إذ إن "التيار الديني الصهيوني" من أشد المؤيدين لتقويض الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس، ويقوم أنصاره وأتباعه باقتحامات شبه يومية لباحات المسجد الأقصى وساحاته، ويحاولون بكل الطرق فرض التقسيم الزماني والمكاني فيه. لذلك، يمكن أن نشهد ارتفاعاً في درجة التوتر بين الجانبين إلى مستوى لم نشهده من قبل، وهناك احتمال بأن تصل إلى حدّ القطيعة في مرحلة ما.

هذا التوتر في العلاقة بين الجانبين الإسرائيلي والأردني يمكن أن ينسحب أيضاً على العلاقة مع مصر، التي تعتبر نفسها مسؤولة بصورة غير مباشرة عن الملف الفلسطيني، وترى أنها "الضامن" في معظم الأحيان لاتفاقيات التهدئة التي تتم بين الجانبين؛ الفلسطيني المقاومة والعدو الإسرائيلي.

لذلك، يمكن أن تشهد العلاقات بين الجانبين المصري والإسرائيلي المزيد من التوتر، في ظل ارتفاع منسوب العدوان المتوقع على الشعب الفلسطيني، الذي يمكن أن يذهب بالأمور إلى مواجهة عسكرية جديدة يتوقعها كثير من المتابعين، وهذا ما يمكن أن يُفسر مصرياً بأنه استهانة بدورها وتقليل من حجمها، إذ كنا قد شهدنا في آب/أغسطس الماضي توتراً في العلاقة بين الجانبين بعد تنصّل "إسرائيل" من وعود قطعتها لمصر بخصوص الإفراج عن الأسيرين خليل عواودة وبسام السعدي، على أثر معركة "وحدة الساحات".

ختاماً، نقول إنَّ كل المؤشرات والقراءات تفيد بأنَّ وصول غلاة المتطرفين في "إسرائيل" إلى سدة الحكم بصورة أو بأخرى، وتزايد نفوذهم في مؤسسة "الجيش" والأجهزة الأمنية والاستخبارية النافذة، سيدفعان نحو مزيد من التوتر والتصعيد، ليس داخل الأراضي الفلسطينية فحسب، إنما على مستوى الإقليم والمنطقة أيضاً، وأن الأيديولوجيا الدينية المتطرفة التي ينشرها "التيار الديني الصهيوني" بين أنصاره ومريديه، والتي تدعو إلى ممارسة كل أشكال العنف والقتل والإجرام تجاه الغير، ستشعل المزيد من الحروب والمزيد من الصراعات التي سيدفع ثمنها الجميع في هذه المنطقة، وفي مقدمتها الكيان الصهيوني.