أشغلت حركتا "فتح" و"حماس" طوال السنوات الماضية المواطن في قطاع غزة والضفة الغربية وقلبت اهتماماته الرئيسية بالقضية الفلسطينية وأشبعته بالخلافات والمماحكات التي لا تسعد إلا الاحتلال الإسرائيلي.

والجميع يعلم بأن الحركتين وقّعتا اتفاقيات مصالحة عدة في عدد من الدول العربية ولكنها فشلت ولم يتم تطبيقها ودون التأكد من سبب الفشل.

وخلال لقاءات المصالحة الماضية التقت وفود الحركتين بالقبلات المتبادلة والضحكات الواسعة والأحضان الطويلة بالإضافة إلى الأطعمة الشهية واللذيذة التي يشتهيها المئات بل الآلاف في قطاع غزة وربما بالضفة الغربية أيضًا.

وأثناء هذه اللقاءات، تبدأ التصريحات الإيجابية السياسية المتنوعة من الحركتين والتي تظهر مدى جدية الموقف والنوايا الصافية لتحقيق المصالحة، وينطلق أيضًا جيش السياسة والإعلام بتحليل أجواء المصالحة والتأكيد على أنها مبشرة وستحقق الوحدة المنتظرة منذ سنوات، وبالطبع تبدأ التصريحات والتحليلات بالانتشار كالنار في الهشيم على كافة وسائل الإعلام العربية والأجنبية بالإضافة إلى إعلام الحركتين الذي لايعد ولا يحصى.

ويعود منسوب التفاؤل لدى الشعب لاسيما المواطنين في قطاع غزة بالارتفاع تدريجيًا حتى تجد غالبيته مبتسمًا ويتحدث عن هذه الأنباء الإيجابية معبرًا عن أمله بأن يفتح المعبر وتدخل البضائع ويخفف الحصار المفروض منذ سنوات، ولكن في كل مرة لا تمضى لقاءات المصالحة وفق التصريحات الإعلامية والتحليلات وبعد مدة لا يجد المواطن كهرباء ولا سولار ولا مياه ولا حتى طحينًا.

وهذا طبع خطير  وسيء على الشعب الفلسطيني، فليس من السهل ولا البسيط أن ترفع معنويات المواطنين الذين يعانون من الحصار والفقر والبطالة والواسطة والمحسوبية والجوع والمرض ثم تلقي بهم في سابع أرض محبطين، ومن الطبيعي أن يؤدي تحطيم التفاؤل بهذه الصورة إلى تطور الأمراض النفسية وانعدام الثقة في القادة السياسيين ومزيد من الفشل بالإضافة إلى كره الوطن والوطنية وازدياد المناكفات بين المواطنين أنفسهم.

وبالتأكيد يبدو أن الفصيلين لا يستشيران خبراء علم نفس في كل مرة تفشل فيها المصالحة، ويبدو أنهما ليس لديهما أهمية كبيرة حول نفسية المواطنين واستقرار معنوياتهم، وهذا ليس بغريب على الشعب الفلسطيني حيث أننا لم نجد في التاريخ الفلسطيني من يهتم بصلابة المواطنين وتمسكهم الاجتماعي، وبدون تأكيد أو تحليل من طبيب علم نفس، فإن فشل الاتفاقيات الماضية كان ثقيلًا جدًا على المواطنين، ودفعهم إلى الإحباط والضعف وعدم الثقة.

وتدور الآن محاولة جديدة للمصالحة وإنهاء الانقسام بين الحركتين ومضت هذه المحاولة وتخطت اللقاءات والمقابلات والأحضان وتبادل العواطف وبدأ الإعلام مجددًا بالاهتمام في هذه المحاولة وتعزيز الروح المعنوية لدى المواطنين من جديد،  وبدأ الناس فعليًا في التفاؤل من جديد وبدأت ووسائل الإعلام ومازالت مستمرة في بث أجواء وأخبار إيجابية عن المصالحة دون تحذيرات من احتمالات الفشل التي لا يحمد عقباها ولا نريدها أن تتم.

وفشل هذه المحاولة وإسقاط تفاؤل المواطنين الذين يعانون من مشاكل اجتماعية ونفسية، سيفجر العديد من المشاكل وستكون أشبه برصاصة الرحمة لدى الشباب والخريجين لاسيما بعد الأنباء الإيجابية المتداولة.

ونأمل ويأمل المواطنين كافة بأن تكون هذه المحاولة التي انطلقت فجأة ومضت خطواتها على عجل بأن تكون هي المحاولة المنشودة والمنتظرة منذ ما يزيد عن 11 سنة عجاف عاشها المواطن في قطاع غزة بين الفقر والجوع والمهانة والحروب الطاحنة والانقسام والاقتتال.