يبلغ الأمر في مقالات، وتحليلات، وندوات، إلى القول إن المصالحة الفلسطينية، بين حركتي "فتح" و"حماس"، تنذر بترتيبات دولية، تؤدي إلى ما يسميه البعض "صفقة القرن" وهو التعبير الذي استخدمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوماً للإشارة لحل الصراع العربي الإسرائيلي. ربما يكون هناك فعلاً ترتيبات إقليمية مهدت للاتفاق، ولكنها لم تصل بعد مرتبة تصور واضح، يمكن تسميته "صفقة القرن".

تحاول تحليلات عديدة أيضاً أن تصل بين الحماسة المصرية للمصالحة، بعلاقات محمد دحلان في القاهرة، وبالخلاف الخليجي الداخلي، ومحاولات إقصاء الأدوار القطرية والإيرانية من المشهد، وهذا قد يكون أيضاً صحيحا، ولكن بقدر محدود.

من مؤشرات وجود ترتيبات أو تفاهمات إقليمية غير معلنة أو غير واضحة سهّلت أمر المصالحة، الترحيب الأميركي بالاتفاق الفلسطيني الداخلي، على لسان مندوب ترامب للمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات، والمعارضة الإسرائيلية غير الحاسمة للاتفاقية، والتي تأخذ شكل موافقة مشروطة أكثر منها رفضا، وذلك بإعلان مطالب مثل ضرورة التغيير في مواقف "حماس" السياسية، ونزع سلاحها أو سوى ذلك.

في الواقع أنّ جزءا أساسيا من الحسابات الدولية والإقليمية، قد يرتبط فعلا بعوامل منها التحسب من كارثة بيئية وإنسانية وشيكة في قطاع غزة، سيكون لها تداعياتها الأمنيّة، وكان من نذرها ما سمي مبادرة إحداث الفراغ الأمني التي أطلقتها كتائب عزالدين القسّام مؤخراً، وتدهور الوضع المعيشي كما ترصده الأمم المتحدة وجهات دولية أخرى.

ومن الحسابات الدولية، أيضاً الوساطات التركية، وربما القطرية، التي جرت بين "حماس" والولايات المتحدة الأميركية، وأطراف أخرى، وهي أمر تدل عليه مؤشرات عديدة منها وثيقة "حماس" في شهر آيار الفائت، وتصريحات تركية، كقول وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، "تركيا تبذل ما بوسعها لحل قضية الشرق الأوسط، وتقوية موقف فلسطين على مائدة المفاوضات، من خلال توحيد الصف الفلسطيني"، و"تركيا كانت ترمي من خلال ذلك لجذب حماس إلى الخط السياسي، وتبنيها موقفا إيجابيًا حيال حل محتمل للقضية الفلسطينية على أساس الدولتين". يُضاف لذلك التقارب بين القيادي الفلسطيني السابق محمد دحلان، القريب من حكومات إقليمية وعالمية عدة، وحركة "حماس" مؤخراً، وهو صاحب الباع في المفاوضات، والتنسيق الأمني مع الإسرائيليين.

وإذا كانت واشنطن لا تبالي أصلاً، ولا تمانع، بدور سياسي للإخوان المسلمين في المنطقة، كما اتضح مثلاً إبان حكم الإخوان المسلمين في مصر، فإنّ إعلان "حماس" مؤخراً أنها حركة وطنية فلسطينية، وأنها ليست مرتبطة بامتدادات إقليمية ودولية في إشارة إلى تنظيم الإخوان المسلمين العالمي، يساعد على تقبلها من دول إقليمية فاعلة تعادي الإخوان المسلمين.

هذه المؤشرات جميعها تدعم قبول دور سياسي لحركة "حماس" من قبل أطراف دولية وإقليمية، ولكن لا يصل الأمر حد ما يسمى صفقة القرن. ومن أسباب ذلك أنّ الحل ما يزال يصطدم برفض الجانب الإسرائيلي الاعتراف بأي حقوق للشعب الفلسطيني في الاستقلال والسيادة، وإذا كان الحديث عن تطبيع مع الدول العربية يسبق الحل السياسي، فإنّ هذا يصطدم برفض قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، فضلا عن أنّ ذلك لا يحل المشكلة الفلسطينية، ولا يضمن صمت الشارع الفلسطيني ووقف المقاومة.

بالنسبة لدور وموقف دول مثل قطر وتركيا، فهذه الدول يستبعد أن تقف ضد المصالحة، حتى لو حدث انزعاج من مواقف معينة، مثل الدور المصري، في هذا التوقيت، ولكن عملياً المصالحة، قد تسحب أحد الاتهامات الموجهة للدوحة، من دعم "حماس"، هذا فضلا عن موقف تركيا السالف الذكر الذي يرحب بالمصالحة. ولعل محدودية اهتمام الإدارة الأميركية بحل للأزمة الخليجية بمختلف أوجهها، هو دليل أن هذه الإدارة أكثر تواضعاً وقدرةً واهتماماً بالتوصل لشيء بحجم "صفقة قرن" وإلا لسعت أكثر لوحدة حلفائها الخليجيين. وأنّ التقبل الضمني أو الصريح لحركة "حماس" هو لأنّه يمكن رؤية الحركة قد دخلت لعبة تسمح للأميركيين والإسرائيليين بالاستمرار بإدارة الصراع دون حله.

نوايا الأميركيين وحتى الإسرائيليين، لا تعني ألا يجري تأييد المصالحة، ولا يعني أن ما قد يخطط له الأميركيون والإسرائيليون قدر، وأنّه لا يمكن توظيف المصالحة لصالح الشعب الفلسطيني، هذا رغم أنّ الخطة الأرجح أميركياً تبدو "إدارة الصراع" وليس صفقة تحله.