فلسطين هي الوطن والذاكرة التي ترفض أن تغادر بل تصبح أكثر وضوحاً حين يشتد ظلام التاريخ في مرحلة عابرة يديرها هواة السياسة ومراهقوها عندما يعتقدون أنهم صناع تاريخ وأن الأوطان  يمكن أن تتم إدارتها من شركة عقارات.

فالذاكرة الحبلى بتاريخ لم يشهد بطالة الفلسطينيين في الصعود نحو الكفاح لاستعادة ما سلبه الزمن في غفلة ليعطي وطنهم هدية لغيرهم على يد امبراطورية لم تخجل مما فعلته لتحتفل بمئوية وعدها المشئوم قبل عامين ولتسلمنا لإمبراطورية أكثر جهلاً تستكمل توزيع المدن كهدايا أرأيتم أكثر حمقاً من هذا؟

رقعة الزمن أكثر اتساعاً من امبراطورية عابرة أو جاءت مصادفة أو بنيت بعقل القرصان مورجان فقد طوى امبراطوريات أكثر قوة وأكثر انتشاراً ولكنه الزمن الأسود الذي يجعلنا نعتقد أن الاحتلال قد طال عمره كثيراً فدورة حياة قلم الرصاص قد تمتد لأسبوع ولو سألنا القلم عند ذلك سيقول عمراً طويلاً وحياة كاملة ،لكنها لا تعد بعمر الزمن وهكذا فقد مر على فلسطين أشكال من الغزاة كلهم انهزموا وانتصرت فلسطين.

الأوطان لا تنتقل ملكيتها بصكوك باباوات ولا صكوك قراصنة فتلك واحدة من سخريات التاريخ لأن الأرض تورث كاللغة كما قال شاعرنا الكبير وهذه الأرض التي تحفظ لغتها ومالكيها وأسمائهم وتشقق أقدامهم ورائحة عرقهم حين كانوا يزرعون الحنطة والشعير وتحفظ أصوات نايهم تحفظ لغتها ولا تعرف ملامح غزاتها الجدد بعد أن فشل الغزاة الأولون في كتابة أسمائهم على صخرة من صخور القدس التي انكسرت عليها كل أحلامهم.

الثلاثي كوشنر جرينبلات وفريدمان  يعتقد أن التاريخ لعبة هواة أو قبضة بلطجي يلوحها أمام المذعورين ليخروا ساجدين وتلك تصلح للأساطير والروايات التي تروى للأطفال قبل النوم فقد حاولها هولاكو وجنكيز خان وكثيرون مثلهم وبالنهاية وجدوا أنفسهم أمام حقيقة الحقائق أن بلطجة القوة أقل كثيراً من أن تترك أثراً في مسار التاريخ الصاعد نحو العدالة الإنسانية التي افتقدها هذا الثلاثي الخائب.

ووسط لحظة الظلام العابرة ما الذي يمنع الفلسطينيين الذين يرون كل هذا الخطر من أن يلتقوا؟ فحتى الحيوانات حين تتعرض للخطر تتجمع على شكل قطعان بغريزتها الفطرية وتلك لا تحتاج الى كثير من الحسابات بل فقط استشعار الخطر، وهنا نحن أمام واحدة من ثلاث: إما أن الفلسطينيين ليسوا كسائر البشر أو إما أنهم لا يدركون بعد حجم الخطر الذي يداهم قضيتهم رغم كل ما يحدث أو أن غريزة السلطة والبقاء فيها تعلو على غريزة الخوف على الوطن وهنا الكارثة.

هناك فرصة فهذا الثلاثي الجاهل بعلوم التاريخ لن يغير خلاصة التجربة الإنسانية التي قالت أن الشعوب هي التي انتصرت على المحتل فهل رأيتم محتلاً تخلد في الاحتلال؟ ستنتهي تلك اللحظة التي جاءت بتجار العقارات أسرع من دورة قلم الرصاص في عمر الزمن وسيطويهم التاريخ كما غيرهم ولكن لا يكفي أن نشتم هؤلاء الأهم ماذا نفعل نحن في حين أن فلسطين تنتظر والتاريخ يراقبنا ليصدر حكمه علينا ونأمل ألا يكون قاسياً…!