نموذج للقيادة الجماعية، بعيداً عن الهياكل الفاشلة للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، يمكن أن يضع الفلسطينيين نحو طريق تقرير المصير.

مع انتشار الشائعات حول الحالة الصحية للرئيس الفلسطيني محمود عباس، يدور جدل داخل الساحة السياسية الامريكية والإسرائيلية حول من سيخلف الرئيس البالغ من العمر 83 عاما.

وقد انضمت المؤسسات الإعلامية ومراكز البحث لمناقشة الأسماء وقائمة المتنافسين والتكهن بما قد تبدو عليه عملية الانتقال المحتملة أو من عدمها، مع رفعهم لشعار الاستقرار أولا، حيث يتصدر المسؤولون الأمنيون القائمة.

لكن من وجهة النظر الفلسطينية، هذه الديناميكية يجب أن تثير نقاشا جديا طال انتظاره حول إعادة تصور الأنظمة السياسية وأنظمة الحكم الفلسطينية، أيضا مسالة القيادة الفلسطينية برمتها.

إلغاء حكم الرجل الواحد

ثلاثة أشياء بإمكانها أن تساعد في بناء نظام وبرنامج سياسي شامل وتشاركي، والتي من الممكن ان تمكن الفلسطينيين في رحلتهم نحو تقرير المصير وبناء الدولة القائمة على الديموقراطية (الحقيقية).

أولا، يجب الاستعاضة عن نموذج القيادة الفردية بالقيادة الجماعية، حيث إن حكم الرجل الواحد والقيادة الفردية لا يمكن فقط القول إنه قد عفى عليها الزمن، بل إنها تتعارض مع الديمقراطية وتتسم بالخلل الوظيفي، وكانت أحد العوامل التي دمرت الكفاح الفلسطيني ومشروع التحرر.

رحلة الفلسطينيون نحو تقرير المصير والتحرر كانت مليئة بالعقبات السلبية والكبيرة نتيجة لأنماط الحكم المختلفة على مر السنين، من (عرفات إلى فياض إلى عباس) حيث جميعهم تبنوا نماذج الحكم الفردي، لذلك حان الوقت لوضع هذا النموذج جانبا، وتصور نموذج جماعي للقيادة.

من الناحية النظرية، تبدو منظمة التحرير الفلسطينية أنها تتبنى نموذجا للقيادة الجماعية، لكن عملياً هي عكس ذلك، ولهذا السبب اختارت السلطة الفلسطينية منظمة التحرير الفلسطينية وبعد ذلك اختارت إسرائيل (السلطة المحتلة) السلطة الفلسطينية التي تجرد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة من إمكانية التحول وصنع القرار.

لذلك نرى أن نموذج القيادة الفردية سواء من زعيم الأمة (ياسر عرفات) أو شريك السلام (عباس) أو المدعوم دوليا التكنوقراطي (سلام فياض) الذي أبقى الشعب الفلسطيني في نهاية الأمر تحت ظل الاحتلال الإسرائيلي والسلطوية الفلسطينية، وعمل على عزل الفلسطينيين عن جوهر النظام السياسي الفلسطيني، قد خذل الشعب الفلسطيني بشكل لا يوصف.

 

مجالس الاشراف

 حان الوقت الان لإعادة النظر في مواقف والقاب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة، وتخيلاتهم الرمزية الخاصة بإقامة الدولة وشطبها تماما.

عوضا عن ذلك، يحتاج الشعب الفلسطيني لمجموعة صغيرة تضم لجنة زعماء منتخبة (من الأفضل أن تضم أربعة من كلا الجنسيين)، حيث يمكنهم تشكيل مكتب سياسي يحمل كل منهم مسؤوليات مختلفة والتي لها أيضا ثقل سياسي مماثل، واحد يتولى أمر الشؤون الداخلية والاجتماعية، وآخر للشؤون الخارجية والأجنبية، وآخر للشؤون الاقتصادية والتنموية، وآخر يمسك شؤون التعليم والشباب.

هذا التقسيم للعمل على مستوى زمام القيادة سيضمن عدم اختطاف المشروع الوطني التحرري من قبل زعيم وحزبه السياسي ورؤيته وبرنامجه، هذا أيضا من شأنه أن يضمن وجود مساءلة قانونية وشفافية ستعود بتأثيرات إيجابية على مسرى الحياة اليومية للفلسطينيين.

إن المكتب السياسي سيتم دعمه ويكون مسؤولا أمام مجلسين اشرافيين مختلفين، أحدهما يتكون من كبار السن واخر من الشباب (حيث لا يزيد عن 35 عاما أو أقل)، وهذين المجلسين الذين يتمتعان بتوازن متساوٍ بين الجنسين وممثلين عن مختلف مجموعات أصحاب المصلحة، سواء فئات ومحليات، والتي لن يتجاوز عدد أعضائها عن 15 عضو في كل مجلس، سيقضي كل منهم فترة لا تزيد عن ثلاثة سنوات، والذي سيكون لهم دور كبير ومهم في صياغة الاستراتيجيات ومراجعة تنفيذها.

حكومة الظل

بالتأكيد يمكن للمرء أن يتساءل، ماذا عن المجلس التشريعي الفلسطيني والمجلس الوطني الفلسطيني؟ لماذا هذه البيروقراطية الزائدة على الهياكل البيروقراطية القائمة من قبل والتي تبدو معقدة؟

هذه الأسئلة لا غبار عليها، وأوكد أن عدم وجود مجالس مثل هذه، لن يكون للمجلسين التشريعي والوطني دورٌ في التفعيل أو التمثيل وحتى أنه قد ينتهي بهم الامر بعدم شرعتنهم. فلقد تم ابتلاع المجلس الوطني والتشريعي بكل سهولة من قبل الفصائل والأحزاب السياسية وبسبب أساليب (الحكم الشخصية).

إن ترسيخ دعائم المساءلة في النظام السياسي الفلسطيني سيكون بمساعدة مجالس الشباب والكبار والذي سيضفي المزيد من الضوابط والتوازنات التي سيشتد الحاجة إليها. أيضا سيكون دورهم إشرافياً واستشاريا بطبيعة الحال، ولن تكون هنالك هيئات تشريعية أو تنفيذية أو قضائية، بل ستنبع قوتهم من خلال قدرتهم على فضح القادة ومحاسبة الجميع ودعم الرؤى والأفكار على مستوى البلاد.

ثالثا تقوم الهيئات المتعدد المذكورة أعلاه بتعيين رئيس وزراء لتشكيل حكومة ونائب لرئيس الوزراء، وأن يشغل احدى هذه المناصب من قبل امرأة، وبما أن رئيس الوزراء يرشح أعضاء البرلمان وغيرهم من القادة، يجب على المعارضة أن تنظم نفسها في حكومة ظل ذات مناصب موازية، على غرار نموذج وستنستر.

حكومة الظل هذه لن تكون حكومة كاملة، كما هو الحال في الديموقراطيات الراسخة، وستكون مصممة وفقا للحقائق المادية الفلسطينية، هذه الفكرة تعمل على ضمان المساءلة ومزيد من الشمول داخل الهياكل السياسية الفلسطينية.

الطريق إلى الأمام

قد يبدو هذا المثلث المتمثل في القيادة الجماعية، ومجالس الشيوخ والشباب، وحكومة الظل التي قد يتعذر تحقيقها في ضوء الحقائق الحالية للاحتلال الإسرائيلي، والانقسام الفلسطيني، حالة التهشم صعوداً ونزولاً، اتفاقية أوسلو، وحل الدولتين المتوخى، خطة مثل هذه قد تبدو غير واقعية، وغريبة على الواقع الحالي، حتى إنها تتسم بشكل كبير من الليبرالية الساذجة.

مع ذلك، من الواضح أنه لم يتم وضع نماذج حوكمة سواء لمنظمة التحرير الفلسطينية أو للسلطة الفلسطينية، وبنية ضعيفة لاتفاق أوسلو، لصالح الشعب الفلسطيني، فلماذا إذا الاستمرار في القيادة داخل هذه البنى والاطر، في محاولة لإصلاح غير القابل للإصلاح؟

لقد حان الوقت لنماذج قيادة فلسطينية جديدة وغير تقليدية، لها رؤية مستقبلية ستمكن الفلسطينيين للعمل بشكل جماعي تجاهها، بدلاً من البقاء مكبلين داخل إطار سياسي فاسد يفشل تقديم حلول مجدية او دائمة.

تثير الأفكار الثلاثة المذكورة أعلاه العديد من التساؤلات، بما في ذلك ماهية المتطلبات الأساسية التي يجب أن تكون موجودة لضمان تحقيقها، وكيف يمكن تحديد خطة عمل بشكل واضح، وما هي الجهات الفاعلة التي ستقود عملية التغيير، وما إذا كانت ستعمل على الرغم من الاحتلال الإسرائيلي وكيف سيتم تطبيقه خارج غزة والضفة الغربية على الفلسطينيين داخل إسرائيل والشتات، ضمن أسئلة أخرى.

لهذا السبب نحتاج إلى نقاش جدي حول الأنظمة السياسية الفلسطينية ونظم الحكم الفلسطينية. ترتبط هذه العملية ارتباطا جوهرياً بعملية تحقيق الحرية وتقرير المصير، فقط عندما نتصور نماذج وهياكل سياسية مختلفة، حينها يمكننا أن نأمل في تحويل تلك الرؤية إلى واقع.