لم يمر على الولايات المتحدة رئيس تعامل مع العرب بهذه الدرجة من الفوقية حد الإهانة، كما ساكن البيت الأبيض الحالي، صحيح أن السياسة واحدة وصحيح أن دعم إسرائيل جزء من السياسات الأميركية على مدى عقود، وصحيح أن جميع ساكني البيت الأبيض السابقين تعاملوا مع العرب بمنطق القوة ولكن على الأقل كانوا يظهرون نوعاً من الاحترام تجاه قادة عرب يحفظ ماء الوجه أمام شعوبهم.
لكن الرئيس ترامب كان فجاً حد الوقاحة في تعامله، والأمر هنا لا يتعلق بالقضية الفلسطينية فتلك لها أبناؤها وللبيت رب يحميه وقد كف الفلسطينيون منذ زمن عن حلم راودهم ذات يوم بأن الفلسطيني ليس وحيداً وهو امتداد لأمة لا توسط بينها كما قال الشاعر «لها الصدر دون العالمين أو القبر» ويبدو أنها اختارت القبر طائعة، لكن يتعلق الأمر بما وجهه ترامب من إهانات محرجة لا تتلاءم مع سيكولوجية العربي الذي كان أبياً يوماً ما وتغنى بالعزة والكرامة والآباء.
لقد كرر ترامب أكثر من مرة بأن على الدول العربية أن تدفع ثمن الحماية الأميركية لها وخصص دولاً محددة بالاسم. وفي هذا التوصيف ما لا يتجرعه العربي الذي يقدمه ترامب على أنه حالة مهزوزة ضعيفة قائمة بفضل الوجود والحماية الأميركية والأسوأ أن التفسير يمكن أن يذهب أبعد من ذلك حد اتهام نظم عربية بأن صيغة الحماية تجعل من زعماء عرب مجرد خادمين مطيعين للولايات المتحدة وبيتها الأبيض.
وبغض النظر عن كل الحماقات التي ارتكبها الرئيس الأميركي لكن طبيعة العلاقة  بالصورة التي جسدها ترامب بهذا الشكل من الابتزاز والإهانة مدعاة لإعادة الاعتبار والانتقام من تلك الصيغة التي تحمل قدراً من البلطجة، وتلك لم تحدث سابقاً في العلاقات الدولية حتى أكثر الامبراطوريات وقاحة لم تكن علاقاتها بالممالك التي أخضعتها حتى بالقوة بهذا الشكل.
الولايات المتحدة دولة كبيرة لكنها ليست صعبة وهي دولة رأسمالية يلعب المال دوراً كبيراً في تحديد سياساتها، ويبرز ذلك بشكل كبير قبل وأثناء الانتخابات بل ويحدد بشكل رئيس الفائز أو الفائزين في الانتخابات وذلك لخصوصية الحالة الأميركية ولا يتسع المقال لشرحها لكن نتائج الأصوات عادة ما تكون قريبة من نتائج حملات جمع الأموال.
ان استمرار ترامب رئيساً للولايات المتحدة يعني مزيداً من الابتزاز ومزيداً من أموال العرب تنقل بالقوة للولايات المتحدة، ومزيداً من الإهانة ونزع الكرامة وماء الوجه ومزيداً من إفلاس الخزائن العربية ومزيداً من عربدة نتنياهو في المنطقة استيطاناً وضرب سورية دون أن يستطيع العرب الاحتجاج حتى ان أصبحت قدس الأقداس عاصمة إسرائيل لأن العصا الغليظة التي يشهرها البلطجي أعادت اكتشاف حكمة أن السكوت من ذهب وان كان هنا ذهب الأغلال لا يهم.
تتجند إسرائيل دوماً في الانتخابات الأميركية ولديها مرشح للرئاسة ومرشحون لمجلسي الكونغرس، بل وأبعد من ذلك فهي باتت تتدخل في كل انتخابات العالم وقد أغلقت شركة فيسبوك 250 حساباً تديرها إسرائيل بهدف التدخل في الانتخابات في أفريقيا لأن تل أبيب باتت تريد في كل العالم أنظمة موالية لها وهي دولة لا تتواضع في أهدافها، تريد السيطرة على أكبر قدر من النظم بدءا من البيت الأبيض كما ترامب وانتهاء بأصغر دولة أفريقية غير مؤثرة.
المال العربي الذي يخضع للابتزاز يمكن أن يصبح العنصر الأكثر فاعلية في إسقاط الرئيس ترامب والانتقام لنفسه إذا ما تم دعم مرشحين منافسين له في الولايات وكذلك مرشح الحزب الديمقراطي، صحيح أن الرئيس ترامب أصبح أقوى بفعل التحسن الذي طرأ على الاقتصاد الأميركي في عهده وإيجاد وظائف جديدة وتخفيض نسبة البطالة، وهذا هو الأهم بالنسبة للناخب الأميركي الذي يجهل ما يحدث خارج الولايات المتحدة كل هذا الذي تحقق بالنسبة لترامب بفضل الأموال العربية أو بفضل العصا التي رفعها في وجوهنا جميعاً بمعنى أننا المسؤولون مرة أخرى عما يحدث لنا.
المسألة تحتاج الى إرادة أو هدف، والأهم تحتاج الى جرأة الخشية التي انعدمت بفعل حملة التخويف التي مارسها الرئيس الأميركي بعد مجيئه والمسألة تحتاج الى الإعلان عن دعم المرشح المنافس ونقل أموال وتحريض العرب في الولايات جميعها لانتخاب منافس ترامب وتسخير وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لإسقاط الأخير وهذه ممكنة.
من خلال وسائل التواصل من الممكن التأثير على الناخب الأميركي، حتى صفحة الرئيس ترامب على الفيسبوك يزورها يومياً أربعة ملايين مواطن أميركي، وهي مفتوحة، بالإمكان مهاجمته كما فعل الشباب الفلسطينيون في الحملة التي قاموا بها الأسبوع الماضي عندما دخلوا على تلك الصفحة الى الدرجة التي اشتكى فيها الرئيس الأميركي من هجوم هؤلاء الشباب. وهذه تجربة يمكن الاستفادة منها بعد أن أبدعها الجيل الجديد من الفلسطينيين وهم يسبقون الأجيال الأخرى، هؤلاء الشباب الذين عملوا بأقل الإمكانيات استطاعوا أن يخاطبوا كل العالم ويؤثروا في نواح معينة.
هؤلاء الشباب منسيون إلا من الخطابات النظرية تحت مقولة عماد المستقبل، وهي مقولة تحمل في مضمونها تأجيل دورهم للمستقبل وتحييدهم من الحاضر وعزلهم عنه، ولكن يجب أن يأخذوا هذا الدور حالياً وخصوصاً مع الهوة الواسعة التي أحدثتها ثورة التكنولوجيا بين الأجيال ليصبح كل جيل جديد مسلحاً بإمكانيات لم تتوافر لمن يسبقه. وهذا يعني أن تدافع الأجيال يصبح ضرورة وليس ترفا شعاراتيا بهدف مشاركات شكلية في صنع السياسة.
بالإمكان فعل الكثير ولا يتفوق الآخرون علينا بالعقول بل بالمؤسسة التي تمكنت من تحقيق كل هذه الإنجازات، وغيابها لدينا الذي أحدث كل هذا الخراب ولم نعد ننشغل إلا بالصراعات على السلطة حتى لو كانت سلطة بحماية البيت الأبيض وبلطجته..!!!