الساعة تتخطى الثامنة مساء من يوم الاحد 21 ابريل 2019 ، الرئيس الأوكراني بيترو بورشينكو (ملك الشيكولاتة و صاحب اكبر مصانع شيكولاتة بالعالم ) ، يظهر على الهواء مباشرة من خلال التلفزيون و يعلن أنه سيتقدم بالتهنئة للرئيس الجديد ،بإعتراف ضمني بهزيمته بالجولة الثانية للإنتخابات الرئاسية في أوكرانيا أمام منافسه الممثل الكوميدي فولودمير زيلنتسكي .
لعلها إحدى المفارقات و الحوادث النادرة في العالم ، قبل أشهر يقرر ممثل كوميدي لم يمارس السياسة من قبل ويعترف أنه لا يمتلك الخبرة السياسة ،أن يرشح نفسه لرئاسة البلاد ، و يفوز بتلك السهولة و بنسبة كبيرة على منافسين كبيرين الرئيس الحالي بوروشينكو و على رئيسة الوزراء المخضرمة السابقة يوليا تيميشنكو ، كل هذه الامور تدعنا نطرح التساؤولات ما الذي دعى الشعب الاوكراني أن يتخذ هذا القرار و يتصرف على هذا النحو؟
لعل أكبر معضلة يواجها الشعب الأوكراني هو الفساد الذي أدى للفقر في هذه البقعة الغنية من العالم و ظهور طبقة الأولغارشية التي لا تتعدى 5% من تعداد السكان و الذين من ضمنهم أشخاص يصنفون على قائمة أغنياء العالم ، ومنذ إستقلال أوكرانيا في العام 1991 وحتى يومنا هذا ورغم تعاقب الرؤساء و الحكومات و رغم الوعودات لم يتم القضاء على الفساد بل يزداد وبشكل موازي يزداد الفقر ، ويوم أن حدثت ثورة الميدان و هرب الرئيس المخلوع يانوكوفيتش في فبراير 2014 توسم الجميع بالخير بالرئيس ،وخاصة انه كان من أهم الداعمين لثورة الميدان ، وهو مليونير قبل أن يكون رئيس فشبهة الفساد ستكون بعيدة ، و بالفعل واجه الرئيس صعوبات وجاء بفترة حرجة ، إحتلال روسيا للقرم ، و حرب بالشرق و نجح رغم ذلك بتحديث الجيش و التقرب من الإتحاد الاوروبي حتى نجح بإلغاء تاشيرات الدخول مع الإتحاد الأوربي ، رغم ذلك كانت تطلعات الشعب أبعد بكثير ، لأن الهاجس الإقتصادي هو الشغل الشاغل للمواطن الأوكراني فإزدات الاوضاع الإقتصادي صعوبة مما أدى لى تفشي الفساد و الفقر ، و المبرر الوحيد للسلطات هو الحرب في الشرق ضد روسيا .
ومن هنا فإن إختيار الشعب لممثل كوميدي لم يأتي من باب القناعة به ، بل من باب كره وملل و فقدان الثقة من الشعب الأوكراني في النخب السياسية الموجودة بالدولة و رغبتها في تغيير كل تلك الوجوه التي ابتلت بها منذ الاستقلال في العام 1991 ، في وجوه شابة تكون قادرة على التغيير الكلي .