تعد الانتخابات بمثابة الوسيلة الأساسية التي تؤهل الناس للمشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلدانهم والتي بدورها تعتبر حقاً أساسياً من حقوق الإنسان كافحت من أجله الشعوب في جميع أنحاء العالم، و يعتبر حق الانتخاب، من أهم الممارسات السياسية، فهي وسيلة لنقل السلطة بطريقة سلمية من شخص إلى آخر، أو مجموعة إلى أُخرى.

المعروف عن إسرائيل أنها تعنى بتطبيق المبادئ الديمقراطية في نظام الحكم السياسي, فهي قائمة على التعددية الحزبية، الأمر الذي أثر وبشكلِ ما على عدم استقرار نظام الحكم فيها, تبعاً للحاجة لتشكيل حكومة ائتلافية مرضية.

بقي يومان فقط للانتخابات، وكما جرت العادة بعد الانتخابات في اليوم الثاني: يوم الثلاثاء في تمام الساعة 22:00 مساءً، يتم الكشف عن الصورة الأولية لتوزيع المقاعد حسب نموذج الأخبار؛ وبالطبع بعد الكشف عن النتائج الحقيقية ستبدأ إسرائيل بواقع سياسي جديد، وستبدأ في مسيرة تشكيل حكومة جديدة، إما برئاسة رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو أو برئاسة رئيس حزب "أزرق - أبيض"، رئيس الأركان السابق بيني غانتس.

الصراع بين اليمين وحزب "أزرق – أبيض" الذي يتقدم بصورة جيدة, يجعل موازين الحكاية بين التأرجح من صورة استطلاعات الرأي التي نُشرت خلال الحملة الانتخابية، يبدو الوضع مستقرًا إلى حد كبير: حزب "أزرق - أبيض" هو الحزب الأكبر, لكن كتلة اليمين تتقدم بثقة.

إن حصل حزب "أزرق - أبيض" على أكبر عدد من المقاعد، وكذلك حصل المعسكر الثاني على عدد أكبر من المقاعد في الكتل؛ قد نواجه ذات السيناريو في انتخابات عام 2009؛ لن يشكّل الحزب الأكبر الحكومة، إنما الحزب الذي يملك أغلبية الموصين. "اتضّح هذا الأسبوع أنه يوجد مجموعة مؤلفة من 65 عضو كنيست، جميعهم من اليمين قد أوصوا على نتنياهو".

الاعتقادات المتأرجحة حول فوز حزب اليمين تجعل الحديث عن الانتخابات الإسرائيلية هذه المرة يختلف, ولكنه لن يؤثر على سير العملية الانتخابية باتجاهها الصحيح كما كل مرة, ففي كل انتخابات إسرائيلية يُرشح فيها اليمين, يتم إطلاق أخبار الفساد وغيرها من الأمور التي ارتكبها نتنياهو, ولكنه ورغم كل ذلك لم يخسر ناخبيه, فالحديث عن حزب استمد ثقته وقوته من ناخبيه يجعل المعنى أقوى والاتجاه نحو كسب الرهان أكبر.

في قراءة نُشرت لمركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي وضح فيها تأثيرات فوز غانتس في الانتخابات الإسرائيلية " في حال نجاح غانتس في تشكيل ائتلاف حكومي، فإنه من المرجح أن تتبنى الحكومة عمليًا "خطة ويز"، وهي الخطة المسماة بالاستراتيجية السياسية الإسرائيلية للصراع، وتعرف أيضاً بخطة الطريق الإسرائيلية التي تجعل إسرائيل قادرة على تحديد مستقبلها متحررة من الفيتو الفلسطيني، وتجعلها قادرة على الإمساك بزمام المبادرة، أي إننا سنكون أمام احتمال الانفتاح على عملية سياسية كبيرة تدمج ما بين "خطة ويز" والصفقة الأمريكية.

أما عن الموقف الأمريكي تجاه الانتخابات الإسرائيلية فهو منشق على نفسه إلا أن الحكومة الأمريكية ليس لديها تحيز في التعامل مع الأطراف التي تمتلك زمام المبادرة في التعاون وهي اأكيدة بأن أياً ما سيأتي لتشكيل حكومة ائتلافية لن يخرج عن مطاوعة الحكومة الأمريكية, فإن وجدت في نتنياهو شريك جيد في الشرق الأوسط, فستجد من غانتس وغيره شريك قوي ولقمة سائغة لتمرير صفقتها بدون أي عوائق كانت تسرد في الماضي.

على جبهة قطاع غزة فإن الأمور في واجهة التيارات المتغيرة أيضاً, أياً من الطرفين لن يكونا بالأمر الجيد، قطاع غزة أشبه ما يكون بالسجين الذي ينتظر حكم الإعدام بين حاكمين كلاهما سيء.

 فوز نتنياهو في الانتخابات سيضاعف من ترجيح خيار الحرب, فإذا أصبح رئيس لحكومة ائتلافية جديدة فهو لن ينتخب إلا لتحقيق هدف الدفاع عن الردع الإسرائيلي, بمعنى أصح سيصبح ملزماً ومجبراً على خوض حرب ضد قطاع غزة تنهي العقود السابقة من الخذلان, فهو لن يمتلك الحجة بعد انتخابه هذه المرة, كل واحد من هذه الخيارات أسوأ من سابقه، ولكن سيناريو الحرب بعد أشهر قليلة ليس قدرًا محتومًا، هذا السيناريو يُمكن منعه، وهو سيُمنع إذا ما عملت الحكومة التي ستقوم بعد الانتخابات على اتصالات مع السلطة الفلسطينية تحت مظلة مؤتمر إقليمي برعاية الدول العربية والقوى العظمى؛ وفي "أزرق - أبيض" يتحدثون عن ذلك.

لا يمكن أن نتغاضى عن أن نتنياهو وإن كان يلوح بفكرة الدولتين إلا أنه حتى الآن لا يقتنع بها, ويبذل كل جهد مستطاع لإبقاء الشرخ بين الأطراف الفلسطينية, فيحاول جاهدًا لإفشال كل اتجاه سيوحد البيت الفلسطيني ويبذل ما بوسعه أيضاً لتحطيم حلم الدولة الفلسطينية.