تنشأ حالة الفوضى السياسية من الصدام بين فئات المجتمع، سواء كان الخلاف على المبدأ والعقيدة أو على الوسيلة الذي يسعى كل منهم لإثبات مدى صوابها، لذلك فإن الفوضى تكاد تعم حياتنا العامة، بحكم التجزئة في الحياة السياسية، وغياب حضارة سياسية سائدة، فيميل الأفراد إلى العمل السياسي الذي تسيره دوافع غير منضبطة، تدفعهم للصدام دون الاتكاء على مصلحة المجتمع، فتصبح المصلحة الحزبية مقدمة على اعتبارات العامة.

حالة عدم الاستقرار السياسي الذي يعيشه قطاع غزة الآن أشبه بحالة طفل في سنته الأولى في الابتدائية كلا الطريقان يؤديان إلى البيت وهو باكي في المنتصف، فالصراع المتواصل بين حركتي فتح وحماس أشبه بذلك، ولكن الفارق أن الشعب هو الباكي بكل الأحوال.

حالة الفوضى السياسية مصيرها التمدد فكل المعطيات الدولية والاقليمية ترجح بذلك, فما زلنا داخل بوتقة "صفقة القرن" التي ستعلن بحالة أو بأخرى حسب ما أشار إليه مبعوث الرئيس جارد كوشنر في مؤتمر وارسو "سنقدم خطة السلام بعد الانتخابات في إسرائيل، سيضطر كلا الطرفين لتقديم تنازلات"، فهذا الاصرار على تقديمها يؤكد بأن الخلفية وراء تقديم خطة الإدارة صعبة بشكل خاص،  فمنذ 1993 لم يحدث شرخ كهذا بين الإدارة وبين المعسكر الفلسطيني البراغماتي، عباس يرى في ترامب عدوه، الذي يمس بقدرته على إدارة السلطة بطريقة معقولة،  وبشكلٍ أو بأخر إنه غير مستعد للخضوع للضغوطات الاقتصادية الأمريكية المفروضة.

عدة خطوات سابقة اتخذتها الإدارة الأمريكية لتقليص المساعدات المالية المحولة للفلسطينيين، بحجة أن المساعدات الاقتصادية المتواصلة للسلطة الفلسطينية للأسرى ولعائلات الشهداء تشجّع بصورة غير مباشرة الكفاح المسلح الفلسطيني، وتناقض التصريحات العلنية لقيادة السلطة بشأن ضرورة السلام, ولكن إسرائيل وحتى الإدارة الأمريكية تعي تماماً بأن النضال الفلسطيني لن يتوقف بشأن الأرض, لذلك ما تفعله ليس إلا ضغط للقبول بالشروط الأمريكية- الإسرائيلية, ولكني أؤكد على فكرة التفردية التي تريدها السلطة في حالة أو بأخرى بفرض العقوبات على قطاع غزة بإرادة ذاتية سلطوية.

تحاول حركة حماس بعد كل التغيرات التي أثقلت الشارع الغزي بالنهوض مجدداً واكتساب ثقة الغزيين, بعيداً عن ذراع المقاومة بجهده النضالي, فإنه أولاً وآخراً جزء من مسيرة النضال الفلسطيني المتواصلة ضد العدو لاستعادة الأرض, إلا أن الفشل في الجانب السياسي يلزم عليها التفكير مراراً في حيثيات وتبعات جديدة للموقف السياسي, تحقيق الانتصارات التي تجذب الشارع الفلسطيني, لا يمكن أن تغفر لحالة الفقر والضنك الذي يعيشه المواطن الغزي, بشكلٍ أو بأخر, فحقيقة العملية السياسية ليست نجاحات آنية "طالما وجدت السلطة, وجدت المسؤولية".

على صعيد جبهة الاحتلال وعلى اعتاب الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة, فإن حالة الصراع للوصول إلى سدة الحكم في أوجهها, فللمرة الأولى في تاريخ إسرائيل، يقرر المستشار القانوني للحكومة تقديم لائحة اتهام ضد من يترأسها, وذلك بعد تحقيق متفرع استمر أكثر من عاميْن فنتنياهو الآن يحارب في ثلاث جبهات مختلفة، وفي نفس الوقت؛ الجبهة القضائية هي الأكثر تأثراً ، فبدأ يستوعب أنه قد يُنهي مسيرته المهنية تمامًا كما أنهاها سلفه ايهود أولمرت في السجن.

نتنياهو يعيش الآن صراع مع الوقت في ظل اقتراب موعد تقديم خطة السلام لحليفه، الرئيس ترامب. هذه الخطة من الممكن أن تلقي به إلى حافة الهاوية أو قد تجلب له النجاح مرة أخرى, كل ذلك مرتبط بموعد الكشف عنها ، نتنياهو يعيش في معركة يائسة على الأصوات، وخاصة بعد ما أثبتتها الفترة الأخيرة بقدرة حماس على ابتزازه , ورغم ذلك ومن غير المسموح له أن يبدو كشخص يقف ليقول "نعم" لخطة هدفها إقامة دولة فلسطينية، أما بعد الانتخابات فقد تتغير هذه الحاجة.

 فحسب تقديرات بأنه إذا سمحت نتائج الانتخابات بتشكيل كتلة تمنع اليمين من تشكيل ائتلاف أيديولوجية، فإن السيناريو الأكثر منطقية هو تشكيل حكومة وحدة أو حكومة مع الحريديم. في جميع الأحوال، وضع الخطة الأمريكية قد يزيد من فرص حكومة الوحدة، أيًا كان من سيترأسها.

بالعودة لخلفية الصدامات في قطاع غزة فإن حالة الصدام مع العدو من الممكن أن تسير بنفس الوتيرة الحالية أي صدامات بين فينة وأخرى إلا إذا قررت حماس أن تشعل الأوضاع على الحدود بنقلها من الزاوية الطبيعية المعتادة , أما في حال جلبت الانتخابات الإسرائيلية يساري إلى الحكم من الممكن أن تتغير كثير من اتجاهات السياسية الإسرائيلية اتجاه القطاع لتصبح أكثر قسوة وترفع من حالة الصدامات. ما يعانيه قطاع غزة من أزمة اقتصادية ستتفاقم في ظل اقتطاع الأموال التي تدفعها السلطة للقطاع ولن تتحسن الأوضاع إلا إذا كان هناك تدخل صريح من الجهة الدولية, فالجبهة الإقليمية في حالة تعاون بتفردية ولكن الحل الأمثل لكل ذلك هو اللجوء الى انتخابات تنصف الشعب الذي أرهق.