تعتبر الحكومة في إسرائيل هي السلطة التنفيذية، وهي مركز القوة في النظام السياسي الإسرائيلي، وفيها تتم من الناحية الرسمية والقانونية عملية صنع القرارات, لذلك ينصّ القانون الأساس للحكومة الإسرائيلية على أنها هي الجسم الوحيد المخول باتخاذ قرار الحرب, فهي عملياً  الجهة التي تقرر الخوض في صدام يجر الدولة إما للانتصار أو الهزيمة.

لا شك أن الأوضاع الحالية على السياج الحدودي مختلفة عما سبق, فلم تعد كما بدأت ولكنها صارمة ومستنفرة في كل الأوقات, فالاتجاه للهدوء بعد شهور من الاضطراب والتوتر على السياج الحدودي كان ولا زال يحمل معالم متعددة, تجعل العدو غير قادر على حل رموزها, هل يتجه إلى التصعيد أم يلتزم الهدوء؟.

ما حدث الجمعة الماضية يمكن أن يكون نافذة محدودة الأفق لما هو قادم, فالتردد في اتخاذ القرار داخل المجلس الوزاري المصغر والصدام الحاصل داخله, راجع إلى التنافس القائم  للحصول على منصب رئيس الحكومة, فأي منهم يطرح المنظومة التي يرى فيها أن المجتمع الإسرائيلي سيلتفت له ويضع أوزار ثقته فيه وينتخبه, لذلك تفتقد الحكومة الاسرائيلية الحالية في استراتيجية مناسبة يتم التعامل فيها مع الأوضاع, فأي منهم يطرح وجهة النظر التي تناسبه, وهذا نجده واضحاً في الخلاف الدائم الحاصل بين بينيت وليبرمان, ولكن رغم ذلك هم لا يخرجون على منظومة الحماية القومية المعتادة التي تقدم الأمن القومي على كل اعتبار سياسي.

لا شك أن قوة حماس باتت معروفة بعد تمكنها من تصيد الضعف الإسرائيلي بإطلاقها صاروخ وصل لبئر السبع, فاستعراض حماس لقوتها, جعل التفكير بالهدوء بالنسبة لإسرائيل أمر بالغ الأهمية, مع عدم نسيان أن إسرائيل قادرة على خوض صدام مدوي وأيضاً أن حماس في الأوقات الحالية لا تريد حرب تدخلها في دوامة أخرى رغم استعدادها لخوضها إذا فرضت, فجل ما عليها القيام به الآن هو إصلاح أوضاع السكان داخل القطاع الذي وصل حد الانفجار من الفقر والبؤس الذي يجاريه غالبية السكان,  بدون تقديم ثمن سياسي كبير لا يمكنها تحمله.

لا يمكن التعويل على ضعف قوة الردع الإسرائيلية كسبب من مسببات الاتجاه للهدوء, فكل أركان الحكومة تتفق مع ضرورة ردع حماس ولكنها أصبحت لا تطالب بثنيها وإبعادها عن حكم غزة, هذا من الممكن أن يسهل الطريق أمام اتفاق التهدئة ويعرض أطر جديدة للحل في الأوقات القادمة, وفي حالة لم يتم التوصل لاتفاق فقد تستغل إسرائيل الفترة الحالية بعرض حلول تخفف من خيار الاتجاه لحرب, فقيادة الجيش ترجح ضرورة التصدي لخطر الانفاق أولاً كعامل أول لقوة حماس وأن التخطيط لإنهائها وبدء العمل على ذلك هو بداية الانتصار للحكومة وللجيش ويمهد الطريق للحكومة الإسرائيلية لوضع الشروط التي تناسبها بعد ذلك.

لا يمكن القول بأن الهدوء الذي حصل على الحدود الجمعة الماضية كان برغبة حماس, فحماس ما زالت مصرة على تحقيق مطالبها التي نادت بها منذ البداية, في تقديري أن سكان القطاع وصلوا إلى حالة من التعب والاستنزاف خلالها, فحاولت الحكومة الإسرائيلية استغلاله  بتقديم دفعة من الوعودات الإسرائيلية بتحسين الوضع الاقتصادي, والتأكيد على التعامل مع قاعدة الهدوء مقابل الهدوء مرة أخرى, رغم ذلك ما زالت حماس متمسكة بخيار المسيرة السلمية وأعتقد أنها قادرة على تفعيلها وقتما تريد.

يمكن التأكيد على أن زيارة الوفد المصري الأخيرة الأسبوع الماضي, كان محركاً ومذكراً لاتفاق التهدئة الذي تتولى رعايته, ومن الممكن أن تشهد الفترة القادمة هدوء نسبي, وتحركاً من قبل مصر لإنجاحه.