لم نغادر دوامة المصالحة بعد وهي اللعبة التي تتسلى بها الأطراف منذ سنوات أو بالأحرى هي العمل السياسي الوحيد الذي تقوم به الأطراف في ظل حالة التصحر السياسي وانسداد الأفق أمام كل المشاريع التي بدأت حالمة وارتطمت منذ سنوات طويلة بكل الجدران المحيطة ظلت المصالحة الخبر الوحيد مرة تقترب ومرة تبتعد وشروط واستدراكات وأوراق وتعديلات، وتعديلات مضادة في أكبر عملية تلاعب بالشعب وعواطفه ومصيره ومستقبله.

قبل عام من الآن كانت الشروط على أن حركة حماس أن تحل اللجنة الادارية ليتم وقف الاجراءات التي اتخذت من قبل السلطة، صدقت الناس الأمر معتقدة أن المسألة بهذه السهولة وحلت حماس اللجنة وجاءت الحكومة هنا الى غزة وبدت للحظة أن الأمور في طريقها لإنهاء المرحلة السوداء من تاريخ الصراع على السلطة.

الحقيقة أننا أكثر حذراً من التعاطي مع الأجواء المصطنعة التي سادت في تلك المرحلة لإدراكنا أن الاستعصاء أكبر من مناخات تلك اللحظة وكتبنا محذرين من الافراط وقلنا أن ما حدث خطوة أولى وأن الألغام لازالت كبيرة وأن التجربة الطويلة والمريرة في المصالحة تستدعي الحذر.

يومها كانت الآمال عالية وأن أحلام الناس البسطاء الذين يتوقون لإنهاء هذا الوضع ولعودة غزة للحياة محلقة في السماء معتقدين أن اللحظة حانت وأن الظلام على وشك أن ينقشع وأن المصالحة قد بدأت تتحقق وفوجئت حينها بمكالمات من كثير من الأصدقاء أنني أكتب وأقول عكس التيار الشعبي مما يتسبب بالإحباط الشعبي وتحطيم تلك الأحلام ولا يريد أن نكون نحن الكتاب في هذه المكانة وفعلاً تعرضنا لانتقادات حادة الى درجة أن أستاذ جامعي سابق من نشطاء الفيس بوك المعروفين طالب بمحاكمتنا نحن الكتاب محملاً ايانا بسطحية مسئولية تعثر المصالحة لأننا نشيع أجواء الاحباط.

حين نقل لي ما كتبه ذلك الرجل قلت لا الكتاب يصنعون مصالحة ولا الكتاب يعرقلونها وتلك أطبر من طاقتهم وليست مهمتهم بل نحن نوصف الواقع وتعقيداته ووظيفتنا أن نقدم قراءة واقعية للأحداث ولسنا شعراء حتى نتحدث عن الأمل ومع ذلك ساهم هذا في احداث قدر من التخفيف في توصيف قسوة اللحظة بالنسبة لي ككاتب وذهبت في بعضها للحديث عن الأمل بالمصالحة كما العجائز رغم الادراك أن العمل السياسي والمقال السياسي ووظيفته أن يقرأ اللحظة لا أن يتغنى بها أن يصف الواقع بمرارته لا أن يبني أحلام وتلك رواية لم يفهمها الكثير من القراء ونشطاء وسائل التواصل.

بعد عام على سبتمبر الماضي الذي شهد خديعتنا جميعاً والذي تبعه اتفاق أكتوبر الذي وضع مواعيد محددة لأول مرة للتنفيذ ومع ذلك كان واضحاً ان الألغام الحقيقية لا تنزعها زيارة الحكومة ولا اتفاقاً يناقش قضايا ادارية كالمعابر والموظفين بعيداً عن المشكلة الحقيقية وهي السلطة ومن يحكم غزة ومن صاحب القول الفصل والقرار أي القوة لمن في غزة لحماس أم للسلطة وبدا واضحاً أن الاتفاق لم يقم على أرضية الشراكة بل في ظروف بعيدة عنها فكان ما كان.

والآن بعد عام من الأحلام التي تحطمت وحطمت معها آمال الناس وأصبحت غزة أكثر بؤساً وأكثر فقراً وزادت الاجراءات والخصومات وشح المال من غزة وتكثفت الأزمة الانسانية بشكل لا مثيل له واتضاح الاستعصاء الحقيقي الذي كان واضحاً قبل أعوام وحتى أثناء زيارة الحكومة ورئيس وزرائها أن الصراع الحقيقي على من يحكم غزة حماس تريد أن تبقى متحكمة في غزة والسلطة تريد التمكين كما الضفة أن تحكم وتتحكم بلا شريك ولا حلول وسط.

تعثرت المصالحة من جديد كعادتها لسنوات و تناثرت الأوراق خلال الأشهر والأسابيع الماضية التملص كان سيد الموقف يتم التعبير عنه أو التبرير له باستدراكات وشروط لكن الحقيقة التي يجب علينا أن نعترف بها أن لا أحد يقبل بالشراكة وأن الحكم والسلطة لدنيا أشبه بقصة عائلية وأسرار خاصة بالعائلة ولا أحد يتصور أن هناك شريكاً خارجياً ممكن أن يساهم فيها وأن العقل الفلسطيني عقل طفولي في ممارسته للسياسة وأن قدرنا أن ندفع ثمن هذا العبث فليرحمنا الله !!..