منذ وصول اليمين الإسرائيلي إلى سدة الحكم 2009, أعتبر الانقسام الفلسطيني فرصة لتحقيق مكاسب سياسية, مكنها من اتخاذ حلول وعرض رؤى للحل بعيدة المدى تقوم على تحييد قطاع غزة سياسياً وأمنياً, والتعامل مع الضفة الغربية كبوتقة منفصلة تحقق حلم الدولة اليهودية.

تخلصت إسرائيل من قطاع غزة بالانسحاب أحادي الجانب عام 2005 والتي عُرفت بخطة "فك الارتباط" وبحسبها قامت بإخلاء المستوطنات الإسرائيلية ومعسكرات الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة ومستوطنات أخرى متفرقة في شمال الضفة الغربية, أعقبها انتشار قوات الجيش الإسرائيلية على الشريط الحدودي مع قطاع غزة.

بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة, حققت حماس في الخامس والعشرين من يناير عام 2006 فوزاً انتخابياً، مكنها من الوصول إلى سدة الحكم بسرعة، وبانتخابات نزيهة وديمقراطية, فأصبح للحركة شرعية سياسية وقانونية لتقود المركب السياسي الرسمي الفلسطيني, ولكن ما تلى ذلك لم يكن مبشراً, سرعان ما نشأت خلافات بين حماس وفتح داخل القطاع وعرقل كلاً منهما عمل الآخر يضاف لها الحصار الذي تعرض له القطاع الذي منع الحركة من ممارسة مهامها, في غمرة ذلك اشتد التوتر الذي عرف بالانقسام الفلسطيني2007, بعدها ظهرت عدة محاولات لإنهائه مستمرة حتى الآن وجميعها باءت بالفشل.

اتخذ اليمين الإسرائيلي من الانقسام الفلسطيني فرصة سياسية لتحييد المنطقة الفلسطينية وذلك بفصل قطاع غزة عن الضفة, فبالرغم من اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطيني كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني باتفاق أوسلو1993, إلا أنها باتت تجد أطروحات أخرى للوضع الفلسطيني فبعد أن اعتبرت حماس حركة إرهابية, باتت الآن تطرح الحلول السياسية التي تساعد سكان القطاع وبالطبع من ضمنها "حماس", فالمصلحة الإسرائيلية  تحولت إلى الرغبة في إبقاء حكم حماس بغزة, بتكريس انفصالها عن الضفة الغربية.

طرح خيارات للتسوية بين حماس وإسرائيل بدأت بعد مسيرات العودة الكبرى, التي جاءت انعكاساً للتغيرات الدولية باتجاه القدس باعتبارها عاصمة لإسرائيل وأيضاً زيادة ضيق الأوضاع الاقتصادية والانسانية داخل القطاع بحيث وصلت لطريق مسدود وبحاجة لرؤية جدية شاملة بمعونة إقليمية ودولية للحل, وقبل كل ذلك المطالبة بإنهاء الحصار عن قطاع غزة, وكان للمسيرة دور كبير في إعادة القضية الفلسطينية للأجندة العربية والدولية ودافعاً قوياً للبحث عن حلول لأوضاع القطاع وبرغبة دولية.

لا يمكن النظر للحلول التي طرحت من قبل الإدارة الأمريكية إلا أنها جزءًا من بنود "صفقة القرن" وهي بكل الوجوه والطرق تسعى لتنفيذها, ولكن يمكن القول أن الرفض الفلسطيني القاطع لها هو ما عرقل تنفيذها ودفع الإدارة لتأجيل عرض بنودها مرة تلو الأخرى على أمل إيجاد طريقة لتمكين الفلسطينيين من الموافقة عليها ولكنها لم تحظى بذلك.

انطلاق حلول التسوية السياسية بين إسرائيل وحماس بمساعدة دولية وإقليمية, أملاً في إخراج القطاع من الزاوية الضيقة التي يعيشها, وإن كان يخدم سكان القطاع فهو بالدرجة الأولى ترحيل لتصفية القضية الفلسطينية, فالرغبة في إصلاح الأوضاع الإنسانية بحلول مشروطة ليس إلا انتقاص من أبسط الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الإنسان بكونه إنسان, عوضاً عما يحمله من مكاسب مبطنة غير معلنة تستوجب القراءة المتكررة.

ليس هناك تداول واضح حول موضوع التسوية فجُل ما يتم الحديث عنه مجرد اتفاق مبدئي بين الطرفين, وهو ما يسوق بالإعلام الإسرائيلي بمصطلح "هسدراه" أي ما هي إلا مجرد ترتيبات للأوضاع الاقتصادية والانسانية والسياسية داخل القطاع أكثر من كونها اتفاق مع حركة حماس, تؤكد قبل كل ذلك على وقف إطلاق النار بين الجانبين وما يعقبها من نهوض بالأوضاع الاقتصادية داخل القطاع.

الخلاف بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس راجع إلى أن كلاً منهم يحاول إثبات نفسه كمنقذ للشعب, حلول التسوية المطروحة تجاوزت منظمة التحرير الفلسطينية, بل وعمقت الخلاف بين الطرفين في الوقت الذي تواصل فيه الجهود لمصرية بتعديل وإضافة بنود ترضيهم, يبدو أن الدوحة من ناحية والقاهرة من ناحية أخرى تعملان في مسلكيْن لا يوصلان إلى حد كبير إلى ذات الهدف، فالموقف المصري يقول بأنه يجب أولًا تحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية بين حماس وفتح، وبعد عودة الحكومة الفلسطينية إلى القطاع يكون من الممكن الحديث عن تسوية أوسع بين غزة وإسرائيل,  ولكن التصريحات الأخيرة بين الطرفين تؤكد أن الصعوبة في إيجاد اتفاق تزداد.

من ناحية السلطة الفلسطينية صرح أبو مازن بأن إذا ما وقعت حماس على مثل هذا الاتفاق مع إسرائيل أو وافقت على مثل هذه الشروط؛ فهذا يعني انفصال قطاع غزة نهائيًا عن الضفة الغربية، وتوقف السلطة الفلسطينية عن جميع دفعاتها لغزة، حيث يدور الحديث عن مبالغ كبيرة، تقدر حاليًا بحوالي 95 مليون دولار شهريً, ومن ناحية حماس فالخيارات أمامها ضيقة وأرى بأنه ما إن تمكنت السلطة من إيجاد حلول منصفة للقطاع سيكون التوجه الأول لحماس هو اللجوء لها لأنها مجبرة على التمسك بأقل الحلول وكان من التسوية باب للتفاوض لم يتم التأكيد على بنوده حتى الآن, رُغم الصدام بينهما فإن كلاً منهما ما زال يحظى بالمصداقية لدى الشعب,  فأبو مازن مازال يمتلك القوة السياسية ليتحدث بالإجماع باعتباره الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني, وحماس تمتع بمقدرة على التحدث باسم سكان قطاع غزة وتلقى آذان صاغية من المجتمع الفلسطيني والعربي.

يمكن القول بأن الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة في الآونة الأخيرة باتت أكثر وضوحاً فهي غير راغبة في إنهاء حكم حماس, بل في مصلحتها إبقاء حماس في سدة الحكم, وذلك جزء من الاستراتيجية السياسية التي تتبعها, وبالتالي فإن الحفاظ على الفصل تحديدًا بين حكم حماس في غزة وبين السلطة الفلسطينية في رام الله هي مصلحة إسرائيلية, وأيضاً المحافظة على الهدوء على حدود غزة جزء من الاستراتيجية الأمنية التي تسعى لتحقيقها وهو ما دفعها للخوض في مباحثات تسوية مع حماس.

ما يجب على الأطراف الفلسطينية فعله وما نؤكد عليه دائماً خيار الوحدة الوطنية على علاته هو الخيار الأسلم والأنسب لهكذا أوضاع لا يعرف خيرها من شرها, وبالتالي علينا التمسك بالمصالحة الفلسطينية ومحاولة إنجاحها بكل السبل والطرق, فاختلاق الحجج للتهرب منها لا يفيد إلا العدو, فنصبح نحن مشاركون في تصفية القضية الفلسطينية بدل من إنقاذها من المكائد والخطط التي توضع لجعلها في غياهب النسيان, فإقامة المشروع الوطني يجب أن يكون مقدم على كل المصالح الحزبية, فالدولة الفلسطينية المستقلة هي قرار كل فلسطيني ولا يحق لأي فصيل التنازل عنها سواء بحدود مؤقتة أو بخيارات دولة منفصلة تعزل أجزاءها.