كشف التصعيد الأخير, الأسبوع الماضي, عن هشاشة التهدئة بين الاحتلال والمقاومة، وتآكل عوامل استمرارها بسبب عدم التزام الاحتلال بما تم الاتفاق عليه قبل أربع سَنَوات، وشن عمليات قصف متتابعة تصاعدت في الأسابيع الأخيرة، مع استمرار الحصار الذي بلغ مداه بإغلاق كافة المعابر, وتصاعد استهدافات المواطنين, وآخرهم نقاط الرصد والثغور للمقاومة، وإيقاع الشهداء والجرحى في عمليات الاستهداف.

المقاومة التي تحملت كثيرًا، وأصدرت البيانات المتتابعة بذلك وتحذر وتتوعد، وأعلنت عن فرض معادلة القصف بالقصف, لوضع حد للاعتداءات الإسرائيلية, ونجحت بذلك إلى حد ما، لكن لم يفهم الاحتلال المعادلة جيدًا وواصل القصف كما حدث في رفح يوم الخميس وارتقى شهيد وجرحى.

المقاومة أخرجت لهم قناصها الذي تجهز جيدًا واختار فريسته من القناصين المؤهلين والمدربين جيدًا من جنود الاحتلال، ويقومون بقتل الأطفال والشبان على حدود غزة، والاختيار هنا لواحد فقط، مع الاعتقاد أنه كان بالإمكان إيقاع عدد أكبر منهم، لكن هي رسالة تترجم بيان القسام المقتضب بإرساء معادلة جديدة وهي الدم مقابل الدم.

الرد الإسرائيلي بإيقاع 3 شهداء وجرحى، واستهداف مواقع المقاومة التي التزمت الصمت واستجابت للتدخلات الإقليمية والدولية لعدم الرد، لاعتبار أنها أوصلت رسالتها، ولا تريد أن تجر لمواجهة أوسع في هذه المرحلة، ليس لضعف، لكن لحسابات وطنية وإقليمية مهمة، يفوت على (إسرائيل) استغلالها.

الأهم هل نحن مقبلون على حرب، الجواب المتأرجح هنا يخضع للظروف والمسببات التي توفر الأجواء، لكن المعلن والذي اتضح من التصعيد الأخير على رغبة الطرفين بذلك، لكنْ الطرفان مستعدان ومتحفزان بما فيه الكفاية للدخول بمواجهة قد تكون تصعيداً كبيرًا يترتب عليه إعادة ارساء قواعد المواجهة، لكن لا يمنع الانزلاق لحرب، لا يرغب بها الجانبان، ولكل منهما اعتباراته.

المقاومة لا ترغب بالمواجهة لكن الاحتلال لا يتركها وشأنها ويضعها في دائرة الرد الإجباري، والاحتلال لا يرغب بها، لكن يشعر بتآكل ما قال إنها سياسة الردع للمقاومة والحديث عن أن حماس تفرض معادلات جديدة عسكرية, وكذلك شعبية سلمية كما الحال مع مسيرات العودة وإطلاق البالونات الحارقة.

الجانبان لا يحتملانها حيث غزة المحاصرة والتي تمر بظروف صعبة وإعادة الإعمار لم تنته منذ حرب 2014، لكن حالها "تموت الحرة ولا تأكل بثدييها"، في إشارة لفرض مشاريع التسوية التي يراد تمريرها ضمن ما تعرف بصفقة القرن.

والاحتلال لا يحتملها لمعرفته أنه لن يحقق جديدًا من أي مواجهة عسكرية، وأقر بذلك إيهود أولمرت رئيس الوزراء السابق الذي قاد الحرب عام 2008 على غزة، وفشل في إخضاعها وفعلها نتنياهو مرتين ولم ينجح.

إضافة إلى أن الاحتلال يدرك قوة المقاومة الحالية وقدرتها على إيقاع الخسائر في صفوف الاحتلال وتهشيم عوامل صمود الجبهة الداخلية.

لذلك كي لا تقع الحرب القادمة، والوصول لمواجهة لا يرغبان بها هناك ضرورة للإسراع بإزالة الحصار، وفتح المعابر وإقامة الميناء البحري وكف يد الاحتلال عن غزة، بترتيبات واضحة تشترك فيها الأطراف المعنية، والذهاب نحو إعادة بناء المؤسسات الاقتصادية.

لذلك تبقى فرصة المواجهة قائمة وتنتظر الشرارة التي تشعلها، وقد تكون أسهل مما يعتقد الطرفان وبخلاف رغبتهما، وحينها سيكوى الجميع بنارها، لكن يتحمل ذلك من تلكأ في معالجة الظروف التي تؤدي لها لا قدر الله.