"ستعرفون جميعكم في النهاية، الأشياء المؤلمة تبقى مؤلمة، والأشياء المدهشة تموت ببطيء، وأننا لم نبني للتحمل، بل للانصهار" ديستوفسكي.

بالعودة لمحرقة غزة، ونقل عن مجموعة من الأطباء، قولهم إنّهم لاحظوا جروحاً خطيرة بشكل غير طبيعي، وتعاملوا مع العديد من الجرحى الذين وصلوا بسيقان مقطوعة وقد بدت عليها علامات الحرارة الشديدة عند نقطة البتر، ووجود آثار شظايا كما لاحظ الأطباء آثار حروق عميقة وصلت في بعض الحالات إلى العظم؛ فضلا عن تهتك الأنسجة مما يتسبب في حدوث نزف دموي كبير في العضو المصاب. "لو كان شيء كهذا قد حدث في دولة أخرى لزلزلت الأرض زلزالها.. لقامت الدنيا له ولم تقعد.

بين أطلال المباني والبيوت وأساسها المتفحمة، واثار ألسنة اللهب المتبعثرة وبقايا أعمدة الدخان الأسود. تحكى قصتها ومأساتها وفاجعتها المؤثرة؛ النساء والأطفال لا يعلمون ماذا ينتظرهم في الدقائق القليلة القادمة كانت المفاجأة على شكل صاروخ بجسم ضخم بالونه الرمادي الموحش، يلوح شيء لامع يظهر فجأة ثم يقترب بسرعة كبيرة، وتمر اللحظات سريعة وفجأة تتسع العيون في رعب وهلع وذهول تام، يصاب الكل بذهول المفاجأة؛ ثواني ويحصل الاصطدام المروع ويهتز البيت ويعلو الصراخ والعويل من الأطفال والنساء الأبرياء. دوى الانفجار هز المنطقة هزا عنيفا ونتيجة لذلك تطايرت أشلاء ودماء من لحم وعظام مضرجة بدمائها بوسط موجات انفجارية وتيار شديد السخونة من الهواء وضغط انفجاري لا يحتمل لدرجة الانصهار.. هل يمكنك تخيل هذا؟!

أنه.. فعل القاتل والقزم الدميم، الذي أصبح منبوذا والذي يسعى بكل جهد أن يفسد العالم، أن يكون هناك مزيد من الموت، مزيد من الحرمان، مزيد من الشقاء والحزن والتعاسة، وقتل الأمل وقتل الناس وتدمير الحياة مع بث الخوف في قلوب وعقول الأطفال.

الحقيقة أحسست أننا أكثر شعوب العالم معاناة، فبعد كل عدوان همجي إجرامي، وعمليات القصف والحرق الوحشية، التي يقوم بها الوحش النازي الجديد في بلادنا، وكل رسائل الموت والدمار والخراب؛ كلها تجارب حربية غير معروفة لجنس البشر، والحديث هنا. عن تجارب إسرائيل الإجرامية تحت ذرائع وحجج وتزيف.

وكما كُتب علينا القتال، كُتب علينا أيضًا الوقوف وقفة واعية متربصين لهذا الخطر، فتكنولوجيا الاتصال والإعلام الحديث جعلت حبل الكذب قصير، وارتدت أكاذيب إسرائيل عليها خلال تجاربها الحربية الأخيرة على غزة. هكذا يشهد كل العالم، الوحش النازي الجديد، وهو يزاول تجاربه، وأن يستحضر كل مراسلي وكالات الأنباء، وكاميرات التليفزيون، مراسلي الصحافة والإذاعة والتليفزيون المحلي والعالمي، ولا يكتفي بأن يكون أستاذًا في فن الكذب، ليضع اكتشافاته وتجاربه، أمام أنظار كل علماء الدنيا إنه يريد أن يكون جزار في العلن.. جزار دموي معترف به دوليا، والطموح إلى هذا حد البشع؛ أن المسألة ليست عشوائية بالمرة؛ الأمر عنوة واقتدارًا. فإسرائيل لا تريد إنقاص تجاربها المدمرة، ولتعود آلة القتل الرهيبة تدور وتعمل، في لحم الأطفال والنساء. هل. أنسى، لا يمكن أن أنسى منظر المواطنين بين الأنقاض والقتل والحرق ومجازر تنصبُّ في وحشية منقطعة النظير.

كل هذا يمضي بلا أي عقاب.! أنها معاناة مفروضة علينا فرضًا. وإن أمريكا وإسرائيل أحالتا حياتنا إلى جحيم من التجارب الحربية- والسموم الإشعاعية- وكأنه الجحيم. لنا والخراب والأزمات؛ ولهم تسويق الأسلحة والربح الإجرامي، هم يرقصون ويجأرون بأصوات السعادة ونحن نجأر عويلًا وصراخًا مظلومين ومقتولين، كنت قد كتبت أطالب علماءنا العرب، علماء الطبيعة والذرة وعلوم الإشعاع والأطباء، بأن يتكلموا وأن يقفوا يشرحون لنا هذا الخطر الخفي ويكلموننا عنه، وعن مستوًى الخطورة والأهمية. فالموضوع، كارثة الكبرى، لأنه موضوع حياة إنساننا في هذا الجيل والأجيال التي تليه وصحة مجتمعنا.. إنه خطر التلوث الإشعاعي الذي يستمر مفعوله المدمر- أي عمر المادة الإشعاعية الموجودة في هذه القذائف والصواريخ- إلى أكثر من أكثر من عشرين عامًا مستقرة في جسد البشر تفعل فعلها القاتل والمشوه، أو في التربة والنبات والحيوان.

هي لا تقتل شخصًا وإنما تقتل شعبًا، بل أجيالًا كثيرة من الشعب. تلك المئات والآلاف من الأطنان من المتفجرات والصواريخ.. قنابل ثقيلة قذائف الفسفور المحرم التي أحدثت بحرارتها الشديدة، ووقودها المحروق أرطال من مادة اليورانيوم وغيرها والخطورة هذه المواد بسبب الإشعاعات، ولكن الشيء المروع أنه ما إن تظهر الأعراض، بعد التعرض لها، حتى يكون الحكم بالإعدام قد صدر على المريض؛ إذ لا توجد وسيلة لإنقاذه من موت محقق طال الوقت أو قصر.

ثم إن أعراضه لا تظهر فورًا، إنما تأخذ وقتًا طويلًا لتظهر مثلها مثل أعراض مرض السرطان، ولكنها إذا ظهرت يكون الزمام قد أفلت ويكون الطفل أو الإنسان غير قابل للعلاج، وليس أمامه إلا الموت المؤكد مصيرًا.

وفي هذا تشبه الأمراض الناتجة عن المواد الإشعاعية أو التعرض لها مع مرض الإيدز الخطير الذي يوقف جهاز المناعة في جسم الإنسان بحيث إن أي ميكروب أو فيروس تافه يتسلل إلى جسده يسبب وفاته. الشيء الخطير الآخر الذي تسببه إشعاعات هذه الأسلحة، بالذات جسيمات أنها تتدخل في التركيب الذري والجزيئي للصبغيات أو الكروموسومات الحاملة للصفات الوراثية داخل الخلايا الحية للإنسان أو الحيوان، ومنها بالطبع البويضة في الإناث والحيوانات المنوية في الرجل بحيث تؤدي هذه التغيرات إلى تغيرات في شكل الجنين والطفل؛ كأن يولد ناقصًا ساقًا أو يولد بعين واحدة في منتصف رأسه أو بثلاث أذرع، أو بقائمة طويلة من أمراض بعضها قديم عرفته البشرية، وبعضها جديد على العالم والطب تمامًا.

إنها جريمة متعمدة عن سبق إصرار وترصد لإخفاء الحقيقة من قبل الوحش النازي الجديد. وفضيحة كبرى مفترض، يتردد صداها في أنحاء العالم، أنهم يسمونها حرب أو معركة!! اسمها عدوان همجي إجرامي متوحش بهدف إجراء تجارب أسلحة مدمرة ببيان الاستهداف العملي وتسويق تلك الأسلحة الجبارة.

ولهذا فالجريمة الأكبر من العدوان ومن عدم القدرة على التخلص من توابع المحرقة، هي جريمة السكوت على هذا كله. لا يتعلق الأمر بحياة مائة أو مائتين إنه يتعلق بحياة أو موت ملايين الأطفال والرجال والنساء وإلى أجيال أخرى قادمة. إنها مشكلة أخرى كبرى، لا أعرف كيف سنحلها؟ ستبقى الأسلحة الملعونة تهدد بتلويث بلادنا وجوها وقتل أهلها؟! كل هذا ومسئولونا لا يقيمون للموضوع وزنًا، وكأنه مجرد حالة سرطان واحدة فقط في حين أن السرطان الحقيقي هو الخوف من مجابهة المسئولية إلى درجة الخيانة والخيانة أحيانًا، ليست فقط أن تنضم إلى صفوف الأعداء، الخيانة أساسًا أن تعرف الحقيقة المهلكة لشعبك وتخفيها عن شعبك.

إن كثر من اثنين مليون إنسان، بل شعب فلسطين بأكمله يقف حائرًا مشلولًا أمام عدو وحشي يراه؛ والإشعاعات السامة. لا يراها ولا يعرفها. هي توابع التجارب الحربية من قبل جيش الصهاينة، فهل يتم جلب مجرمي الحرب لمحكمة الجنايات الدولية؟ فهؤلاء المسؤولون نراهم في الاعلام يرتدون نظارات طبية أنيقة ويجلسون في غرفات مكيفة الهواء، وحاصلون على أعلى الدرجات الجامعية من أرقى الجامعات، هم.. مجرد قتلة وسفاكين ولصوص ومصاصي دماء؛ أنانيتهم البشعة تأبى إلا أن ينفقوا ملايين الدولارات، لأجراء تلك التجارب المدمرة، من أجل تسويق كل هذه الأسلحة الجبارة لربح المليارات، لو كان لدى هؤلاء القتلة سفاكي الدماء، ذرة من إنسانية أو انتماء للجنس البشري، ما تمت الموافقة إجراء تلك التجارب الإجرامية؛ في بلاد نهبوا أرضها وثرواتها واستعبدوا إنسانها وامتصوا دماءه وعرقه؟! فندفع ضريبة الدماء من حُر أرضنا ودمائنا.

ووجدنا داخل هؤلاء الذين يمثلون أمام العالم دور التحضر والحضارة. قسوة وحشية غير بشرية في أحيان كثيرة، وقدرة على الجريمة وارتكابها بمثل ما لم يره التاريخ البشري كله، وتمييزًا عُنْصُرِيًّا رهيبًا؛ وإن كنت قد قدمت لهذا كله في تلك المقالات التي كتبتها، فإن الموضوع لا يصلح له إلا كتاب كامل، وكل هذا ولا أحد يتحرك، وأنا متأكد أنني وغيري كتبنا وسنكتب ولا حياة لمن تنادي. ويتوقف القلم هنا عاجزًا عن أن يستمر وقد بلغ به الغضب حد الخرس!