تتمتع عملية المشاركة السياسية وخصوصاً مشاركة الشباب في العملية الانتخابية في فلسطين بكثير من الجوانب والأبعاد الجديرة بالاهتمام والمتابعة، خاصة بعد فترة ممتدة من الانقسام السياسي والجغرافي والاجتماعي الذي صاحب سيطرة حماس على قطاع غزة عام2007 ، وما تزال أثاره حاضرة في مشهدنا السياسي الراهن،

وكان لإعلان الرئيس محمود عباس بإجراء الانتخابات في مايو المقبل بكل ما يترتب عليه من إجراءات، عاملاً مهماً في تفعيل حق المشاركة السياسية الذي يمكن الشباب من التعبير عن آرائهم واختيار من يمثلهم ويلبي طموحاتهم الأمر الذي يعبر عن قوتهم كمواطنين فاعلين في المجتمع الفلسطيني ويستطيعوا توجيه البوصلة من أجل التغيير للأفضل.

وتعد المشاركة السياسية للشباب الفلسطيني من السمات المهمة في المجتمع الفلسطيني الذي يعتبر مجتمعا شابا، فالسواد الأعظم منه في أعمار الشباب وفق إحصائية لجنة الانتخابات المركزية في عام 2019 التي تكشف أن نسبة من يحق لهم التصويت في الانتخابات من الشباب والذين أعمارهم اقل من 40 عامأ وصلت الى 69% في بعض المحافظات وعلى مستوى الوطن وصلت 63% مما يؤكد أنهم القوة المؤثرة في نتيجة الانتخابات بشكل كبير مما يعزز من أهمية وجود من يمثلهم في المجلس التشريعي القادم.

وتعتبر الانتخابات في فلسطين بالنسبة للشباب عملية متعددة الأبعاد، فلا تنحصر ابعادها على حجم الضغط الذي سيمارسه الشباب من اجل انتزاع حقوقهم في نسبة تمثيل ملائمة في المجلس التشريعي وانما في مدى استجابة قيادة الأحزاب والحركات الفلسطينية لمشاركة الشباب في قوائمها

فالشباب هم صمام الأمان والعماد الأساسي لنهضة الأوطان، وهم عدة الأمم وثروتها والقوة الكامنة القادرة على صنع التغيير وبناء المستقبل، وتجربة الشباب زاخرة في تاريخنا الفلسطيني حيث استطاع الشباب الفلسطيني الثائر تشكيل وقيادة حركات التحرر الفلسطينية كحركة فتح التي تقود المؤسسات الفلسطينية فقد أسسها شباب في العشرينيات من العمر فكانوا الصف الأول لقيادة حركة فتح، واستمروا في مسيرة التحرير والبناء ليشكلوا نموذجا رائعا في القيادة والعمل الثوري حيث استشهد عبد الفتاح حمود عام 1968 وهو اول عضو يستشهد في اللجنة المركزية لحركة فتح وكان عمره لا يتجاوز ال35عاماً ليؤكد على قدرة الشباب الفلسطيني على التخطيط والقيادة والانجاز، والحالة الفلسطينية ليست بعيدة عن نماذج شبابية استطاعت الوصول الى سدة الحكم في كثير من البلدان، حيث يبلغ عمر رئيس وزراء النمسا سبستيان كورتز 34عاماً فقط، ورئيسة وزراء فنلندا سانا مارين 35عاماً، والرئيس الفرنسي ماكرون تقلد منصبه رئيسا لأحد دول العالم المؤثرة في عمر 39عاماً، وهكذا نماذج تؤكد بأن الشباب قادر على الوصول الى أماكن صنع القرار وهذه دعوة للشباب للعمل على أخذ دورهم بشكل فعال ومدروس في الحياة السياسية الفلسطينية، في ظل شبة انعدام لوجودهم في المجالس التشريعية السابقة، وفرصة لهم باستغلال رؤية الرئيس محمود عباس وبعض الفصائل لضرورة تمثيل الشباب في المجلس التشريعي القادم.

ان الوضع الداخلي للأحزاب والحركات الفلسطينية من المفترض أن تجعل الشباب اكثر قناعة بدورهم الفعال، فالبرامج السياسية والاقتصادية التي اعلنوا عنها في الانتخابات السابقة لم يتم تنفيذها بالشكل الذي يرضي قطاع كبير من أبناء الشعب الفلسطيني، حتى بات التدخل واجبا من اجل تعديل المسار والحفاظ على النظام السياسي الفلسطيني وإعادة الثقة بالأحزاب والحركات السياسية، ويأتي الدور الذي سيقوم به الشباب الفلسطيني من خلال الترشح والوصول الى تمثيل حقيقي في المجلس التشريعي وكذلك المشاركة في التصويت لمن يلبي طموحاتهم ويستطيع ان ينقلهم من البؤس والحرمان الذين يعايشونه منذ سنوات الى حياة كريمة يستطيعوا من خلالها بناء مستقبلهم.

ان أمال الشباب وطموحاتهم في المرحلة المقبلة يجب ان تتوافر في برامج الأحزاب والحركات من اجل الحصول على ثقتهم والتي تتمثل في انخراطهم في الحياة السياسية بشكل أكبر والقدرة على المشاركة في صنع القرار، والعمل على الارتقاء بهم في المستويات المختلفة من خلال المستوى التعليمي الملائم الذي يمكن الشباب من الادراك السليم لحقوقه وواجباته، وكذلك الوصول الى المستوى الاقتصادي الملائم الذي يجعل الشباب مطمئنا الى حد ما الى تأمين احتياجاته المادية الأساسية، ومن ثم يسعى الى اشباع حاجاته المعنوية الأخرى، ومن أهمها الحاجة الى المشاركة السياسية في اطار الديمقراطية.

نجاح المشاركة السياسية للشباب متعلق بشكل كبير بتوفير المناخ السياسي الملائم وتهيئة الأجواء لبيئة ديمقراطية حقيقية فلا ممارسة سياسية حقيقية دون ديمقراطية وحريات سياسية، ومما يجعل الأمور أكثر انفتاحاً وإيجابية اصدار الرئيس محمود عباس مرسوماً رئاسياً يتيح الحريات العامة ويحرم الاعتقال السياسي ويمنع أي اجراء من شانه الحد من حرية الرأي والتعبير في الأراضي الفلسطينية، وان هذا القانون يجعل الأمور ملائمة لبيئة ديمقراطية يشارك فيها الشباب من اجل البناء والتطوير ورسم مستقبل أفضل لفلسطين