يتصدر المشهد السياسي الفلسطيني منذ أكثر من أسبوعين حراكاً جديداً وبالتحديد منذ تاريخ الثالث من سبتمبر الماضي، حيث انعقاد الاجتماع الأبرز للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بعد سنوات من التعطيل، عُقد أخيراً بين بيروت ورام الله بحضور الفصائل الفلسطينية كافة، بهدف بحث التوافق على آليات إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية، ومناقشة وحدة الموقف السياسي لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية.

لم يتوقف هذا الحراك إلى هنا، فقد تبعه زيارة لجبريل الرجوب وروحي فتوح مبعوثا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى إسطنبول للقاء قيادة حركة حماس، نتج عنه وفق تصريحات للسيد الرجوب التوصل لرؤية واضحة وآليات بناء الشراكة الوطنية من خلال انتخابات وفق التمثيل النسبي، تبدأ بانتخابات المجلس التشريعي، ثم الرئاسية، وأخيرا المجلس الوطني.

صحيح أن ما جري من اجتماع للأمناء العامين خطوة إيجابية على الطريق، وصحيح أن الوحدة الوطنية القائمة على الشراكة في هذا التوقيت أصبحت ضرورة وطنية ملحة وذات أهمية قصوى، لكن من الضروري التوقف عند ما يطرحه السيد الرجوب شكلاً ومضموناً، هل فعلاً الانتخابات بهذه الصيغة التي تطرح تشكل أولوية مرحلية لمواجهة ما يحاك للقضية الفلسطينية من تصفية ومخطط ضم وهرولة نحو التطبيع؟ هل هي حقاً أهم الخيارات المطروحة لدى الفلسطينيين؟ هل إجراء الانتخابات وفق ما يطرحه السيد الرجوب تشريعية ثم رئاسية وأخيراً مجلس وطني هو المطلوب فعلاً في هذا التوقيت؟ لربما السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذه التطورات الفلسطينية؟ إذا كان كذلك فأي انتخابات فلسطينية نريد؟

*أولاً* / لإنجاح الجهود التي يقودها السيد الرجوب لأول مرة منذ تاريخ الانقسام الفلسطيني لابد من توفير متطلبات نجاح بل وحمايتها وتحصينها من الفشل كما المرات السابقة، وعلى رأسها وقف السلطة الفلسطينية للتنسيق الأمني مع الاحتلال، وتفعيل المقاومة الشاملة بكافة أشكالها وأدواتها، وتحقيق الوحدة الوطنية واقعاً عملياً على الأرض بكل متطلباتها، وتهيئة كل المناخات والأجواء لذلك، ومغادرة أوسلو ومسار التسوية الذي ثبت فشله وأوصلنا إلى ما وصلنا إليه، فلم يجني للشعب الفلسطيني إلا مزيد من سرقة الأرض وتهويد المقدسات وبناء الجدار والاستيطان وصولاً لمخطط الضم الذي يتهدد ما تبقى من الأرض الفلسطينية.

*ثانياً* / أما عن الانتخابات فإذا كانت تشكل مطلباً فلسطينياً ضرورياً في هذا التوقيت فلا يجوز ربطها بالانتقائية، ويجب أن تكون بمثابة المدخل للخروج من هذا المأزق ، وفرصة لتصويب المسارات والبرامج السياسية ، وتؤسس لنظام سياسي أكثر ديناميكية ، وعليه فإنني أتبنّى فكرة الانتخابات الشاملة ، انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني أولاً ثم التشريعية والرئاسية معاً، فهي الكفيلة بإحداث تغيير جذري لأصل المشكلة القائمة في النظام السياسي الفلسطيني، والتي تضمن ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وعلى رأسها إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، خاصة أن أساس المشكلة يكمن في الحالة الفلسطينية هنا في تغييب المسألة الانتخابية في منظمة التحرير الفلسطينية عبر مسارها خلال أكثر من خمسة عقود ونصف، حيث أنه لم يشهد المجلس الوطني أية انتخابات منذ تأسيس المنظمة في العام 1964 حتى يومنا هذا، والذي ترتب عليه غياب المشاركة السياسية الحقيقية في هيئات المنظمة ، في حين ساد التفرد والسيطرة والدكتاتورية باتخاذ القرار .

*ثالثاً*/ طرح الانتخابات بهذه الصيغة ( تشريعية أولاً ، ثم رئاسية وأخيراً مجلس وطني) كخيار ذات أولوية في هذه المرحلة يعتبر خطيئة سياسية وقانونية كبيرة، وأن تجرى الانتخابات التشريعية أولاً ثم الرئاسية وأخيراً المجلس الوطني ما هي وصفة ومحاولة هدفها خبيث لإعادة إنتاج أوسلو من جديد تحت مُسمَّى انتخابات لاستكمال ذبح الشعب الفلسطيني، وحرمانه وتغييبه عن المشاركة في اختيار قيادته وإقرار التوجهات والبرامج السياسية ، وإن المضي في هذا الطريق وفق ما يُطرح لن يعد أكثر من طوق نجاة لرئيس السلطة الفلسطينية وحركة فتح في هذا التوقيت الحساس وهدفه الحفاظ على الذات ليس إلا.

*رابعاً* / الانتخابات في كل الدول تعني فرض إرادة الشعب وخياراته، وليس إرادة أطراف بعينها هنا أو هناك، وإن كانت الانتخابات خيار الفلسطينيين فإنها لابد أن تكون كما ذكرت، انتخابات تنهي خيار أوسلو وتعالج أمراض النظام السياسي الذي كان سبباً فيما وصلنا اليه من حال، وتوفّر شراكة حقيقية في إدارة الشأن الوطني الفلسطيني وصناعة القرار، وتشكّل فرصة حقيقية للاتفاق على طبيعة الصراع ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وتعطي هامشاً وطنياً واسعاً بل وتقوّي الموقف الفلسطيني وتشكّل رافِعة للتحرّر الوطني الفلسطيني.

*أخيراً* / فلسطينياً ما هو مهم الآن للمجموع الوطني الفلسطيني الإبقاء على حالة وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة مشروع ترامب والاصطفاف بموقفٍ وطني يعكس المصلحة العُليا للشعب الفلسطيني لا الانتقائية في المواقف حسب المصالح الضيقة ، والعمل على الذهاب لانتخابات لكل الهيئات الفلسطينية باعتبارها المخرج من الأزمة الوطنية والديمقراطية المستعصية التي يمر بها الشعب الفلسطيني وقضيته ، مع الحرص على أن يكون الحوار الوطني نقطة انطلاق أولاً، وانتخابات المجلس الوطني ثانياً تفرز منه قيادة فلسطينية تمثل الكل الوطني ومؤسَّسات منظمة التحرير المختلفة ومجلساً مركزياً ولجنة تنفيذية ثانياً ، ثم الذهاب إلى الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية وهذا من شأنه أن يشكل تصويب مسار مهم في جذور المشكلة فلسطينياً ورافعة حقيقية للمشروع الوطني الفلسطيني قبل أن تتعمق المشكلة أكثر وتعصف بالمصير الوطني والنظام السياسي الفلسطيني برمته.