كثر الحديث واللغط والاجتهاد المصيب أحيانا والمخطئ أحايين كثيرة في موضوع مشكلة وأزمة الكهرباء في قطاع غزة والتي بدأت، أزمة مماثلة لها تظهر آثاراها في الضفة الغربية بعد مخاض في بوادرها منذ عدة سنوات.

إن أزمة الكهرباء تتلخص وببساطة بعدم وجود كمية كهرباء -طاقة كهربائية-تكفي الطلب الحالي والمتزايد على الطاقة الكهربائية. 

وبالتالي فان آثار تلك الأزمة تظهر في سياقين متصلين، الأول هي الأثر السلبي الحالي على حياة المواطن في كافة المجالات الاقتصادية والصحية والتعليمية وغيرها   والتسريب غير المنتج لموارد مالية تستخدم بشكل فردي لمحاولة إيجاد حلول فردية   على شكل مولدات كهرباء شخصية وبطاريات وأجهزة شحن وأجهزة تحويل inverters وأجهزة كهربائية منزلية تعمل بجهد منخفض.. إلخ.

والسياق الثاني، هو سياق تنموي على مستوى المجتمع والاقتصاد الكلي، بحيث أن عجلة النمو الاقتصادي التي تعتمد في أبسط مقوماتها على توفر مدخلات الإنتاج والبنية الأساسية قد تعطلت أو في طريقها الى التعطل الكامل بسبب تفاقم أزمة الطاقة الكهربائية.

ولقد أخبرني أصدقاء وزملاء في الضفة وغزة أن هناك مصانع بأكملها قد إلغاء طلب شرائها أو أنها موجودة في حاوياتها وصناديقها ولا مجال لتركيبها وتشغيلها بسبب عدم توفر الطاقة الكهربائية.

كما أن أثر المضاعف الاقتصادي السلبي يظهر في انخفاض إنتاجية وكفاءة قطاعات كثيرة ليس أقلها الصحة والتعليم والخدمات العامة وذلك يضاف للإعاقة في القطاعات المنتجة بسب ارتفاع تكاليف بدائل الطاقة الكهربائية.

إن أقصى مجال للحلول الأنية والمؤقتة تتمثل فقط في استخدام الطاقة المتاحة 120 ميغا وات/ساعة من الخطوط الإسرائيلية، 60-80 ميغا من محطة التوليد    و30-35 ميغا من المولدات القطاع الخاص، مجموع المتوفر = 235 ميغا وات/ساعة، بينما الطلب الحالي في حدود 550 ونسير في ارتفاع طلب تصاعدي يصل إلى 10% سنويا تقريبا (8-15 % بشكل متقلب)، أما كيفية إدارة الكمية المتاحة حاليا هذا أمر إداري متعلق بشركة التوزيع وسلطة الطاقة.

كما كثر الحديث عن بدائل لتوفير الطاقة الكهربائية مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية وخط غاز وخط 161 وغيرها:

موضوع الرياح، كل إخواننا المختصين والدراسات التي قامت بها جهات مختلفة، كلهم يؤكدون وجوب توفر سرعة رياح تصل الي 3.5 متر/الثانية على الأقل بشكل مستمر للبدء في التفكير في توربينات الرياح بشكل اقتصادي وهذا غير متوفر في قطاع غزة ولو قال قائل إن سرعة الرياح تزيد مع الارتفاعات العالية، فأقول إن جبال نابلس ورام الله ترتفع فوق 800 متر عن سطح البحر!، دعونا نتواصل مع المستثمرين هناك ليستوردوا واحدة او اثنتين ونرى النتائج!

إن قياسات توربينة الرياح هي 100 متر ارتفاع (ارتفاع كبير جدا) و30-50 متر طول شفرة المروحة ويجب استخدام 3 شفرات، وهذه التوربينات تركبها رافعات ضخمة يتم استئجارها من ألمانيا، كل لذلك لإنتاج 2-3 ميغا فقط، طبعا توربينات الرياح يتم تركيبها في مناطق مفتوحة وبعيدة عن الناس (بحر الشمال مثلا) بسبب الضوضاء العالية التي تصدرها والتي تتجاوز معايير الضوضاء للمدن.

كما أن عدم وجود قدرات ومهارات بشرية لتركيب وتشغيل وصيانة هكذا تقنية وصغر حجم قطاع غزة يجعل موضوع طاقة الرياح في قطاع غزة أسطورة ليس لها معنى.

موضوع الغاز: الغاز هو لتشغيل التوربينات في محطة التوليد ووجود الغاز بحد ذاته لا يولد كهرباء، الغاز يخفض تكاليف إنتاج الكهرباء في محطة التوليد ولا يزيد كمية الكهرباء المولدة من التوربينات، يعني توفر كل الغاز في العالم لن يزيد إنتاج محطة التوليد عن الحد الأقصى التصميمي لها وهو 120 ميغا وات / ساعة بافتراض تشغيل المولد الرابع.

الطاقة الشمسية: كل 1 ميغا تحتاج إلى 10 دونم من الأرض على الأقل بافتراض عدم وجود مسافات فاصلة بين الألواح او افتراض استخدام الواح ذات كفاءة أعلى من المتداولة حاليا.

 يعني 100 ميغا وات تحتاج إلى 1000 دونم!!!، طبعا لو أننا نعيش في صحراء نيفادا أو الصحراء الكبرى لقلنا إنه توجد لدينا أراض كافية لهكذا حل.

كما أن الطاقة الشمسية متوفرة فقط 8 ساعات نهارية بحد اقصى في الصيف   وبالتالي نعود ليلا لمحاولة تدبير أنفسنا بما يتوفر من طاقة من المصادر التقليدية.

 الطاقة الشمسية تقنية ممتازة وتحل مشكلات كثيرة للمؤسسات والمنازل والمدارس التي تحتاج إلى حمل إنارة وليس حمل تشغيلي–انتاجي خلال النهار.

الطاقة الشمسية في حالة قطاع غزة لا تقيم ولا تشغل اقتصاد بلد، إنما توفر حلول منفصلة للمنشآت التي تستخدمها، أضف إلى ذلك مشكلة رئيسية تتمثل بأن شبكة الكهرباء في غزة يجب أن تكون live أو يكون المشترك دوما متصل بالشبكة on grid لتتمكن المؤسسات والمباني التي يتوفر لديها فائض كهرباء خلال النهار أن تصدر للشبكة.

أما خط 161 KVA العتيد، فهو غير موجود على أرض الواقع ويستوجب وجوده عمل فني كبير بفرض وجود القرار السياسي المناسب، كما أن الحديث عنه وكأنه سيحل المشكلة فورا، هو أمر بعيد جدا عن الواقع حيث أنه سيكون قادر على إضافة 100 ميغا وات إضافية فقط ولجعله يتحمل ال 500 – 700 ميغا وات يستدعي كما ذكرت عمل تقني وإنشاء محطات تحويل وتفاصيل فنية قد تأخذ فترة طويلة نسبيا.

كما وكثر اللغط والحديث بخصوص المولدات الخاصة وهنا أعتقد أنه يجب تكليف شركة محاسبة وتدقيق أو أحد خبراء المحاسبة بشكل رسمي ومقبول من جميع الأطراف لعمل دراسة تكاليف حقيقية وموثقة وأن تكون بياناتها معروفة للجميع للخروج من حالة اللغط وحالة الاتهام والاتهام المضاد.

ويجب دراسة تكاليف التكاليف الحقيقية بمعنى تطبيق أساس الاستحقاق المحاسبي وليس الأساس النقدي وعدم إخفاء اية بنود، كما أنه من حق أصحاب المولدات أن يتم التعامل معهم بنفس معايير التفضيل والإعفاءات وغيرها طالما تم اعتبارهم قطاع انتاجي. 

إنه من حقي كمواطن أن أحصل على سعر الكهرباء بنصف شيكل فقط أو أقل وأن مبادئ التنافس تستدعي التناف.