في 25 أغسطس/آب الماضي، أعلنت السلطات في قطاع غزة لأول مرة تسجيل 4 حالات إصابة مؤكدة بفيروس "كوفيد-19" (كورونا المستجد) داخل القطاع، ليشكّل ذلك أول ثقب في جدار الحصانة الذي نجحت السلطات في بنائه على مدار نحو 7 أشهر.

منذ ذلك الوقت، فرضت السلطات المحلية المختصة والمتمثلة بوزارتي الداخلية والصحة إجراءات صارمة شملت حظر التجوال، والإغلاق، وفصل المحافظات، والحجر المنزلي، في محاولة للحد من تفشي الوباء الذي أخذ منحنى متصاعدًا في الانتشار في مختلف محافظات القطاع.

بعد أكثر من أسبوعين على تسجيل أولى الإصابات داخل القطاع، يتضح لدى المراقبين أنّ الفيروس يتفشى على نحو متصاعد، إذ بلغ عدد المصابين حتى اليوم أكثر من 1300 إصابة، وسُجلت 8 حالات وفاة، رغم الإجراءات الصارمة التي تفرضها الجهات المعنية. ولكنّ السؤال الأهم، إلى متى؟ وماذا بعد؟ متى سنبدأ بالتعايش مع وجود الفيروس بيننا؟

ربّما تتجه آراء عديدة إلى القول باستحالة التعايش مع الفيروس في هذه المرحلة لأسباب لا يتسع المجال لذكرها. لكنّ على النقيض تمامًا، وبالرجوع قليلًا إلى الخلف، نرى أنّ الفيروس كان موجودًا بيننا منذ فترة ليست بالقريبة، وكنا متعايشين معه دون أن ندري! ولولا حادثة السيدة (المصابة الأولى) التي كشفت وجوده فعليًا، لكنا نتعايش معه حتى يومنا هذا دون مشاكل! إلّا أنّ أقدار الله شاءت أن نعلم بوجوده وبدأت مرحلة التعامل معه بالإجراءات التي ذكرت سابقًا.

خلال اليومين الماضيين، وبعد حصر بؤر انتشار الفيروس، بدأت إجراءات التخفيف في المناطق التي لا تعد بؤرًا لانتشار الفيروس، تمهيدًا لمرحلة التعايش مع الفيروس بعد فترة زمنية ليست طويلة وبصورة متدحرجة.

هناك من يقول أنّنا لا نستطيع الوصول إلى مرحلة التعايش قبل الاطمئنان التام وحصر الإصابات بالكامل، ولكنّ هذا الطرح لا يستند إلى حسابات دقيقة سواء على مستوى النتائج أو على مستوى الفترة الزمنية، فلا أحد يضمن السيطرة على الانتشار وحصر الإصابات جميعها، ولا يمكن لأحد توقّع المدة الزمنية لهذا الإجراء فقد يستغرق شهرًا أو سنة!

ولدى مناقشة فرضية استمرار الإغلاق حتى حصر الإصابات، ينبغي أنّ نتذكر الوضع الصعب لجميع القطاعات الحيوية والخدمية في قطاع غزة التي تعاني من الإنهاك المستمر منذ 14 عامًا نتيجة القيود المشددة المفروضة على القطاع. فالسير في هذه الفرضية يعني إغلاق القطاع شهرًا أو شهرين كاملين، وذلك يستلزم موازنات مالية ولوجستية كبيرة لتوفير الاحتياجات الأساسية من غذاء وشراب وكهرباء وماء لكل السكان بلا استثناء وهذا ما لا يتوفّر قطعًا لدى السلطات في القطاع.

واقع الحال عكس ذلك تمامًا، فالحالة الاقتصادية للقطاع وقاطنيه لا تخفى على أحد، فأغلب الناس الذين يمارسون أعمالهم -إن وجدت- بنظام المياومة، أو كما نطلق عليه بالعامية" رزق كل يوم بيومه". كما أنّ المساعدات الدولية والعربية التي كانت تتهافت على القطاع في كل الأزمات السابقة، تقلّصت إلى حد كبير جدًا، واقتصرت على مساعدات عاجلة كريمة من دولتي مصر وقطر. وهنا ندرك أنّه لابد من الوصول لمرحلة التعايش عاجلًا أو آجلًا، والعاجل هو الأقرب ولكن دون تعجيل مفرط.

العنصر الأهم في هذه المعادلة كلها هو الناس، هم من يعانون ويطالبون بتخفيف الإجراءات كي يستطيعوا ممارسة أعمالهم. وللأسف، فإنّ ما رأيناه خلال الفترة السابقة في بعض التجمعات كالأسواق، يظهر أنّ وعي كثيرًا من الناس لا يراهن عليه. ورغم أنّ أغلب إجراءات الحماية والوقاية بسيطة وقليلة التكلفة، إلّا أنّ جزءًا كبيرًا من الناس لا يزالون لا يأخذونها على محمل الجد وبالصورة المطلوبة.

إذًا مرحلة التعايش دون اتخاذ الاجراءات الوقائية كافة من المجتمع بكل شرائحه ستزيد الطين بلة، وسنرى زيادة مضطردة في أعداد الاصابات.

يأتي هنا دور رجال وزارة الداخلية في فرض التطبيق الصارم الذي لا هوادة فيه ولا محاباة لأي كان، لتطبيق الإجراءات التي تحدّ من انتشار المرض، ومنع التجمعات، وفرض التباعد الاجتماعي في أماكن التجمّع على اختلافها، ولبس الكمامات، والتعقيم المستمر من أصحاب المحلات والمصالح التجارية، ومنع كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة من مخالطة المجتمع، الى أن يمنّ الله علينا بلقاح يشفي ويقي من هذا المرض. ومن يخالف هذه التعليمات يعاقب بطرق صارمة ورادعة، حتى يصل المجتمع لمرحلة الوعي التام باتخاذ التدابير الاحترازية. هذه مسؤوليتنا جميعا حتى نعود لحياتنا الطبيعية بشكل تدريجي، إن شاء الله.