هل تختلف معي أن العالم شهد تغيرًا متسارعًا وهائلًا خلال العقدين الماضيين بفضل التكنولوجيا؟. أنا وأنت ومعظم سكان العالم قد طالنا هذا التغيير بشكل أو بآخر. ولو طُلِب منا أن نذكر أهم الابتكارات التي صنعت هذا التغيير، لجاءت تطبيقات الهواتف الذكية في مقدمتها.

أحدثت الهواتف المحمولة ثورة في جميع أنحاء العالم مع بدء انتشارها في مطلع القرن الحادي والعشرين، ومع تطورها المستمر بدأنا نشعر بالتغيير الذي يطرأ على شكل الحياة الشخصية والمهنية تدريجيًا، ثم ظهرت تطبيقات الهواتف الذكية في نهايات العقد الأول من القرن الحالي ليصعد معها منحنى التغيير صعودًا سريعًا ومذهلًا.

بحسب أحدث احصائيات موقع "statista"، يوجد على متجر ألعاب جوجل 2 مليون و560,000 تطبيق، فيما يبلغ عدد التطبيقات على متجر "أبل" مليون و847,000 تطبيق، ووصل عدد مرات تنزيلها 204 مليار مرة خلال عام 2019 وفقًا للموقع نفسه.

وبرغم الفوائد المترتبة على الزيادة الهائلة في أعداد هذه التطبيقات للمستهلك، فإنها قد تُحدث له أحيانًا إزعاجًا بسبب كثرتها واحتياجه للتنقل من تطبيق لآخر لإنجاز عدد من الخدمات. أي أنه إذا أراد على سبيل المثال طلب سيارة وطلب وجبة طعام وتحويل مبلغ مالي، عليه أن يمتلك ثلاث تطبيقات كل منها مخصص لخدمة محددة. أما إن احتاج إلى إنهاء عشرات الخدمات، فقد تجد واجهة هاتفه مليئة بعشرات التطبيقات، وهو حال الكثير من هواتفنا.  

والملفتُ للنظر أنه منذ ظهور هذه التطبيقات في وادي السليكون الذي انتشرت منه لتغزو دول العالم وهي تعتمد نموذج "الخدمة الواحدة" أو ما يعرف باسم "single purpose app"، أي أن كل تطبيق يستخدم لغرض واحد، وما يطرأ عليه من تطويرات لاحقة تستهدف جميعها تسهيل هذه الخدمة، وليس إضافة خدمات أخرى، باستثناء بعض التطبيقات التي تفعل ذلك على استحياء.

لقد ساد هذا النموذج العالم كلَه تقريبًا لسنوات طويلة – ولا يزال مهيمنًا حتى الآن في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية - حتى قررت الصين التمرّد عليه بتقديم نموذج التطبيق الشامل أو متعدد الخدمات “Super App” .

ما هي التطبيقات الشاملة أو متعددة الخدمات ؟

التطبيق الشامل عبارة عن منصة واحدة تقدم مجموعة من الخدمات، محاولة تلبية جميع احتياجات المستخدم كطلب سيارة أجرة وحجز تذاكر الطيران والفنادق والحفلات وتحويل الأموال ودفع الفواتير والدردشة مع الأصدقاء، وغيرها من الخدمات التي لا حصر لها. وتتميز هذه التطبيقات بتوفير الوقت والراحة للمستخدم وتنوع الخدمات والحفاظ على ذاكرة الهاتف.

كان أول ظهور واستخدام حقيقي لهذا النموذج في الصين، وقد تطور هذا النموذج حتى صار جزءًا من ثقافة الصينين وعنصرًا لا غنى عنه في حياتهم، ولعل أبلغ نموذج على ذلك هو تطبيق "WE CHAT" الذي يطلق عليه "ملك التطبيقات الشاملة" ويستخدمه في الوقت الحالي أكثر من مليار شخص بحسب موقع "Business of Apps “ المتخصص في رصد أحدث تطورات عالم التطبيقات. ولا يكاد يوجَد هاتف ذكي في الصين خال من هذا التطبيق، بل ولا يكاد شخص يعيش في الصين أو على تواصل بأشخاص في الصين لم يسمع بهذا التطبيق الشامل.

وعلى نهج الصين، صارت بعض الدول في جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية وابتكرت تطبيقاتها الشاملة الخاصة في السنوات القليلة الأخيرة وأثبتت هذه التطبيقات نجاحًا جيدًا.

فماذا عن الدول العربية؟ 

وبالنظر إلى المنطقة العربية سنجد أنها تعاني ندرة في وجود التطبيقات الشاملة، إذ لا تزال تعتمد على مفهوم النموذج الغربي وهو التطبيق الواحد المخصص لتقديم خدمة واحدة. وهذه التطبيقات تسعى في المقام الأولى إلى الانتشار العمودي، أي الوصول إلى دول مختلفة حول العالم، بعكس النموذج الصيني الذي يسعى للهيمنة على منطقة جغرافية محددة. على الرغم من أن بعض التطبيقات الغربية الكبرى مثل فيسبوك وأمازون في الهند بدأت على استحياء بإضافة المزيد من الخدمات بجانب خدمتها الأساسية. 

 

وعند تحليل واقع المنطقة العربية، نجد تشابهًا بين الأسواق العربية والأسواق الآسيوية باعتبارها أسواقًا ناشئة وبها نسبة كبيرة من الشريحة المتوسطة فضلًا عن الازدياد المضطرد في الكثافة السكانية والارتفاع في أعداد الهواتف الذكية، وأهم من ذلك كله أنها لا تزال سوقًا مفتوحة وخالية من المنافسة في مجال التطبيقات الشاملة، وكل هذه عوامل مغرية للشركات للدخول إلى السوق العربي لسد هذه الفجوة، وقد تمثلت أحدث المحاولات لتحقيق هذا الهدف في إعلان شركة "كريم" عن طرح تطبيق شامل لجميع خدماتها الـ Super App  في المنطقة وتحولها من تطبيق ذي غرض واحد لتطبيق يجمع عدد من الخدمات مثل نقل الافراد او الاشياء والدفع الالكتروني. وهي محاولة ربما تشجع شركات أخرى على اقتحام السوق العربي.

ماذا يمكن أن تقدم التطبيقات الشاملة؟

زيادة قاعدة العملاء

يمكن للتطبيقات الشاملة أن توفر لأصحاب الأعمال فرصة لتوسيع قاعدة زبائنهم. فلو افترضنا أن مستخدمًا يعتمد على تطبيق معين لطلب الطعام، وأضاف هذا التطبيق خدمات أخرى بجانب توصيل الطعام مثل خدمة دفع الفواتير، فعلى الأرجح أن يستخدم العميل نفس التطبيق، موفرًا عناء الانتقال إلى تطبيق أخر للدفع أو غيره من الخدمات.  

دعم نمو قطاع الأعمال

تتيح التطبيقات الشاملة فرصة لأصحاب الأعمال أيضًا للانتقال من نموذج الـ "Offline " أو ما يعرف باسم البيع المباشر إلى نموذج الـ "online " البيع الإلكتروني. فعلى سبيل المثال بإمكان أي متجر صغير أو غيره من الأنشطة التجارية مهما كان حجمها أن تنتقل من نموذج البيع المباشر للزبائن إلى نموذج يتيح لها البيع عن طريق التطبيق وتوفير خدمة التوصيل، ومنح زبائنها مزايا إلكترونية مختلفة مثل تجميع نقاط الولاء، وبالتالي زيادة قاعدة زبائنها.

توفير الوقت والراحة للمستهلك

تعزز التطبيقات الشاملة تجربة المستخدم، وتوفر عليه الوقت الذي يستغرقه في  التعرف على خاصية كل تطبيق على حدة، وتضمن الاتساق في تجربة المستخدمين وبالتالي توفير الوقت وزيادة الانتاجية.

مستقبل التطبيقات الشاملة 

سرَّع وباء كورونا من الرقمنة في معظم بلدان العالم، وصارت التطبيقات سلاحًا مهمًا وفعالًا في هزيمة هذا الوباء، حيث لجأت إليها الدول لدعم إجراءاتها في منع انتشار المرض والحد من حركة الناس خارج بيوتهم، وتعددت هذه التطبيقات ما بين تلك الخاصة برصد المصابين بالمرض وتتبع من خالطوهم إلى تلك التي تعطي نصائح وتحديثات يومية، فيما شهدت تطبيقات أخرى طفرة واستخدامًا كثيفًا أكثر من أي وقت مضى على غرار تطبيقات الاجتماعات المرئية Zoom  التي كانت مقتصرة على الأعمال والشركات، فتوسعت لتصبح الآن منصات للتواصل العائلي والتدريب بل وتنظيم أعياد الميلاد أحيانًا.

هذا التغير السلوكي الذي دفع الناس لاكتشاف مزايا التطبيقات والاعتماد عليها اعتمادًا شبه كلي سيصعب تغييره بعد القضاء على الوباء. ومن المتوقع أن تتحكم التطبيقات بشكل كبير في ملامح حياة المال والأعمال في السنوات القليلة المقبلة، ومع الازدياد المتوقع في أعدادها، ستكون الحاجة للتطبيقات الشاملة أشد من أي وقت مضى. وهذا ما تؤكده شركة "KPMG"، إحدى أكبر الشركات العالمية المتخصصة في الاستشارات الخاصة بعالم المال والأعمال حيث تتوقع أن الاتجاه بين المستهلكين والشركات خلال العقد المقبل على الأقل أو ما شابه سيميل نحو التطبيقات الشاملة.

بقلم إبراهيم مناع -  المدير التنفيذي لأسواق كريم