لم يعد يخفى على أحد أننا بتنا على أبواب الضياع الأخير وفي الأمتار الأخيرة لخسارة مقدراتنا الاقتصادية والاجتماعية، وتضحيات أبناء شعبنا الصامد رغم كل المعيقات والتحديات والمؤامرات، وكل ذلك للأسف لم يحرك فينا مشاعر المرؤة والاعتزاز ويدفعنا للدفاع الحقيقي عنه وخوض معركة أم المخاطر، بل، وأصبحنا ننتظر ذلك بلهفة، كما ينتظر أطفالنا بلوعة وشوق خروج آبائهم الأسرى من سجون الاحتلال، فعلاً إنها الكارثة واللعنة التي ستطاردنا في حياتنا ومماتنا وفي منامنا وأحلامنا إذا لم نشرع في معركة التصدي واستثمار واستغلال مكامن القوة لدينا والتعالي والسمو على كل الخلافات والأحقاد الداخلية، وأن نضع انقسامنا اللعين خلف ظهورنا ونبدأ مرحلة جديدة وجدية من العمل الوطني الوحدوي على برنامج سياسي متفق عليه مع جميع القوى الفلسطينية، ولتكن قضية الأسرى على سلم الأولويات، وأن قضيتهم من الثوابت الوطنية، وتحريرهم واجب وطني، وأيضاً مواجهة معركة الضم وهي أم المعارك التي يتحضر الاحتلال لخوضها بكل قوة، وللأسف نحن نعيش في أسوء مراحل الفرقة والتشرذم الفلسطيني، فينبغي علي كل قائد ومواطن أن يعي حجم المسؤولية المتمثلة في المساهمة الواعية والمخلصة في صنع الوحدة الوطنية من خلال اهتمامه بالنضج الفكري والثقافي والسياسي والاجتماعي والموقف الأخلاقي والوطني المستوحى من جذور الوطنية وحب الوطن، فالدفاع عن الوطن سمة رائعة، والتاريخ يحمل لشعبنا تجارب رائعة في الدفاع عنه ومقاومة كل المؤامرات، فلا يجوز أن نراهن على خوض المعركة من خلال اصدار البيانات المقيتة أو نزول المعجزات التي انتهى عهدها منذ 1400 عامًا، فهناك الكثير من العمل والجهد المفيد والمجدي الذي ينبغي القيام به اذا توفرت النوايا والإرادة والرغبة الحقيقية عند القادة، والذين يجب عليهم الاستعداد لخوض معركة انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة ومغادرة مربع المصالح الحزبية والفردية اذا كانوا يؤمنون بمصلحة ومصير الوطن والمواطن بدلاً من استعدادهم لخوض سباق اصدار البيانات المنددة والمحذرة والمطالبة والمناشدة والمتوعدة لجريمة الضم، فالوقت يضيق وينفذ، لم يعد امامنا إلا الوحدة وإنهاء الانقسام الأسود من القاموس الفلسطيني والتحرك والرهان علي نفسنا بعد ان خذلنا الجميع وبتنا نقاتل وحدنا، فلا يجوز ان نقف ننتظر لحظة الصفر الذي سيشرع خلالها الاحتلال بالسيطرة على كل شيء وضياع الوطن، فهناك الكثير من مكامن ومعاول القوة والمقاومة التي يمكن الاعتماد عليها في هذه المعركة الشرسة، ولعل ابرزها واهمها، جيل الشباب الطامح لمستقبل افضل يخرجه من حالة التيه والضياع، فمن الغريب والمدهش استمرار تجاهل هذا الجيل من الشباب وهم الشريحة المهمة التي تضم مئات الاف الشاب والخريجين ممن يملكون من الخبرة والكفاءة ما يمكنهم من افشال كل المخططات الإسرائيلية لو احسنت القيادات التعامل معهم واستثمارهم بالشكل الحقيقي بدلاً من استثمارهم في قضايا ومربعات ومشاريع واهية وخاسرة لا تسمن ولا تغني من جوع، فهذه الشريحة يمكنها ان تبني وطناً يواجه كل المخاطر المحدقة من خلال توفير الحد الأدنى من مقومات الصمود والعمل ومنحها الحد الأدنى من الحرية والمبادرة، لبناء وطن قادر على مواجهة كل الاخطار المحدقة بكل اقتدار ونجاح كما يجب إعادة الاعتبار لها بعد سنوات من استخدامها وقود للخلافات التنظيمية والحزبية وتقزيم دورهم فبالتوازي مع خوض المعركة السياسية يتوجب خوض معركة البناء الاقتصادي والصحي والتعليمي والتصالح الاجتماعي الوطني وتقوية الجبهة الداخلية من خلال خلق فرص العمل للشباب وتنفيذ المشاريع الاستراتيجية القادرة على استيعاب جيش العاطلين عن العمل من خلال تظافر الجهود وتجنيد الدعم اللازم من خلال المؤسسات الحكومية والقطاعين الخاص والأهلي فمن غير المنطقي ان نخوض معركة سياسية طويلة دون توفير الحد الأدنى من مقومات الصمود والبقاء على قيد الحياة.