عقد بنيامين نتنياهو اجتماعا هاما مع لجنة وزارية مختصة بالجنود الأسرى والمفقودين الأسبوع الماضي لمناقشة خط آمن بعد أن تم الكشف الأسبوع الماضي أن آفاق التقدم في صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس قد زادت.

هذا الحراك جاء بعد إعلان حركة حماس على لسان رئيس مكتبها السياسي في قطاع غزة يحيى السنوار:  “يمكننا أن نقدم تنازلًا جزئيًا في موضوع الجنود الأسرى لدينا، مقابل إفراج الاحتلال عن الأسرى كبار السن والمرضى، كمبادرة إنسانية في ظل أزمة كورونا”.

وأضاف السنوار: “أما الثمن الكبير للأسرى جميعهم، فهو كبير يجب على الاحتلال أن يدفعه، لافتاً إلى أن الشرط الأول لبدء المفاوضات مع الاحتلال، هو الإفراج عن محرري صفقة وفاء الأحرار”.

من جانب آخر أصدرت عائلة غولدين بياناً قالت فيه: “هناك فرصة لإعادة الأسرى الإسرائيليين الأربعة لدى حماس، وأن ضياع الفرصة الآن هو عدم مسؤولية وطنية من قبل حكومتنا.”

ما مفاتيح الصفقة؟ وهل الجنود الصهاينة لدى القسام أحياء؟ وهل البيئة الاستراتيجية مواتية لإبرام صفقة تبادل جديدة؟ وما التحديات التي تقف خلف تعطل الوصول إلى صفقة تبادل في هذا التوقيت؟

أولًا: مفاتيح الصفقة

حركة حماس التي أسرت أربعة جنود إسرائيليين وضعت شرطًا لا نقاش فيه يتمثل في الإفراج عما يقارب 60 أسيرًا فلسطينيًّا تم الإفراج عنهم في صفقة وفاء الأحرار مقابل الجندي جلعاد شاليط وأعادت (إسرائيل) اعتقالهم في انتهاك واضح للاتفاق الذي رعته المخابرات العامة المصرية، وعليه يشكل هذا الشرط المفتاح الرئيس لفتح ملف صفقة تبادل التي يديرها الرجل الغامض في حماس وكبير المفاوضين في ملف التبادل هو عضو المكتب السياسي لحماس، ونائب القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، مروان عيسى “أبو البراء”، هذا الرجل تربطه علاقات حميمة بجهاز المخابرات العامة المصري، وهو من أدار عملية التفاوض التي أدت إلى صفقة وفاء الأحرار برفقة الشهيد أحمد الجعبري، والتي بموجبها تم الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2011م بوساطة من جهاز المخابرات المصري.

مفتاح الصفقة بالنسبة لدولة الاحتلال يتمثل في تقديم معلومات حول الوضع الصحي لجنودها، وهو ما ترفضه كتائب القسام، رغم عديد الرسائل التي نشرها القسام وتعطي مؤشرات عن الوضع الصحي للجنود المأسورين لديها.

ويبقى السؤال داخل أروقة صناعة القرار في تل أبيب حول ما هو شكل المرونة التي تحدث عنها السنوار في مبادرته الإنسانية التي لو نجحت ستحرك ملف الصفقة بشكل كبير لا سيما بعد تشكيل الحكومة الصهيونية الجديدة.

ثمة ثلاثة احتمالات تتوقعها إسرائيل من السنوار:

1.تقديم معلومات موثقة حول مصير الجنود الأربعة.

2. تنازل حماس عن اشتراطها السابق المتمثل بأن الحديث عن صفقة تبادل يسبقه الإفراج عن محرري صفقة وفاء الأحرار 1، وتأجيل هذا الملف للصفقة الكبرى.

3. مرونة حمساوية في اختيار بعض الأسماء التي ترفض إسرائيل وأطراف أخرى الإفراج عنها، وهذا احتمال ضعيف إلا إن كانت قنوات التفاوض مفتوحة منذ زمن وتوقفت عند هذا البند.

ثانيًا: الوضع الصحي للجنود الإسرائيليين المأسورين

بتاريخ 1/1/2017م نشرت كتائب القسام فيديو في ذكرى ميلاد شاؤول أرون وتضمن مشهدًا بالغ الأهمية يتعلق بجندي على كرسي متحرك بمعنى أنه شاؤول أو غيره قد يكون مصابًا وليس قتيلًا. ولو عدنا قليلًا لحادثة أسر شاؤول والذي كان برفقة 14 جنديًا صهيونيًا في ناقلة جند تم تفجيرها وأسر شاؤول من داخلها، حيث تقول الرواية الإسرائيلية إن جميع من كان بالمدرعة قد قتلوا، وهذا يزيد من احتمالية أن مجاهدي القسام اقتحموا المدرعة بعد تفجيرها واعتقلوا جنديًا مصابًا، وهو ما ينسجم ورواية الرائد عوفر تخورش قائد إحدى سرايا كتيبة الدبابات 71 والتي جاء فيها: “كان يوجد نفق بالقرب من مكان الحادث وتم اختطاف أورون شاؤول من خلاله إلى داخل غزة بعد أن قام عناصر حماس باختطافه من داخل الناقلة المشتعلة”. وهنا أقول لو كانت الحافلة مشتعلة بشكل كبير لما تمكن مقاتلي القسام من اقتحام المدرعة وجلب أرون شاؤول من داخلها، وهو ما يعزز من فرضية أن المقعد هو أرون شاؤول وليس هدار جولدن، ويبقى ذلك في إطار التحليل، أما الحقيقة الكاملة بيد المقاومة الفلسطينية وعلى (إسرائيل) دفع ثمن الحصول على معلومات كاملة ووافية ودقيقة حول صحة الجنود.

أما هدار جولدن فقد جاء بالأغنية التي نشرتها كتائب القسام عبر موقعها الرسمي بتاريخ 20/4/2017م، تدلل على أن الجنديين على قيد الحياة، فطريقة مخاطبة أمهاتهم، ومشاعر الأمهات تجاه كلمات الأغنية تدلل بأن الحكومة الصهيونية ضللتهم وكذبت عليهم من أجل حسابات حزبية ومصلحية، حتى لا يقال داخل المجتمع الصهيوني بأن نتنياهو ذهب لغزة ولم يستطع دخولها وعاد تاركًا خلفه جنديين على قيد الحياة.

الدليل اللافت على أن هدار جولدن على قيد الحياة كان في الدقيقة 2:43 من ذات الأغنية، ونص الفقرة: “وقعنا في كمين لعين أنا وبتايا ولئيل”، والجملة هنا صيغت بطريقة لا تدع مجالًا للشك بأن هدار يحدث محققيه وعائلته ومحبيه بما حصل معهم في الكمين الذي نجحت كتائب القسام من خلاله في أسر هدار جولدن وقتل من معه.

أما ابراهام مونغستو وهشام السيد فقد دخلا بأرجلهما إلى غزة، ورصدت كاميرات التصوير لحظة دخولهما القطاع، وقد نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية لحظة دخول منغستو عن طريق الساحل.

ثالثًا: البيئة الاستراتيجية ومدى مواءمتها لإبرام صفقة تبادل جديدة

رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يعاني اتهامات فساد قد تطيح بمستقبله السياسي كما راهن خصومه، نجح وبشكل لافت في تحقيق إنجازات لصالح دولته وبمساندة أمريكية روسية، فمن حدث نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وصولًا إلى الاعتراف الأمريكي في السيادة الإسرائيلية على الجولان، إلى الإعلان عن صفقة القرن، وليس انتهاءً عند عجلة التطبيع التي بدأت الدوران قبل إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي في انقلاب واضح على مبادرة السلام العربية التي تم إقرارها في قمة بيروت عام 2002م. وبناءً على ما سبق منحه الناخب الإسرائيلي ثقته في الانتخابات الإسرائيلية إلــ23 في مارس الفائت والتي حصل فيها على 36 مقعدًا، نجح من خلالها بالتوافق مع غانتس لتشكيل حكومة وحدة وطنية قد تكون قادرة على التوقيع على صفقة تبادل لو أحسنت عوائل الجنود الصهاينة التحرك والضغط عليها للاستجابة لمبادرة حماس الانسانية.

نتنياهو بحاجة ماسة لمزيد من الإنجازات لتحسين موقفه وموقعه السياسي، وقد يكون أحد أهم الملفات التي لو حدث تقدم فيها هو صفقة تبادل أسرى مع حماس في هذا التوقيت، فهذه الصفقة كافة الأطراف ذات الصلة بحاجة لها على النحو التالي:

إسرائيل معنية بعودة جنودها، لضمان تماسك المؤسسة العسكرية والرأي العام، وحاجة نتنياهو وحزبه لتسويق هذا الإنجاز لتحسين مكانته السياسية والمجتمعية.

حماس معنية بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين والعرب، وبذلك تحقق إنجازًا كبيرًا سيسجل لها ويزيد من شعبيتها، ويؤكد صوابية طرحها، وأيضًا صفقة تبادل في هذا التوقيت ستدفع التفاهمات إلى الأمام وسيخفف من الحصار، وستسمح بإدخال مساعدات صحية لمواجهة كورونا، بالإضافة إلى تجنيب شعبنا ويلات أي مواجهة عسكرية قد يجلبها الحصار وجائحة كورونا.

 الوسيط المصري معني بصفقة تبادل تبرد جبهة الجنوب وتضعف فرص اندلاع مواجهة عسكرية على حدودها الشرقية وأثر ذلك على الأمن القومي المصري.

 الإدارة الأمريكية خاصة والمجتمع الدولي عامة معنيون بأن تكون البيئة السياسية والأمنية هادئة بما يسمح بتمرير صفقة القرن عبر سياسة الجزرة، ويحقق السلام والاستقرار والهدوء، وانشغال العالم بجائحة كورونا.

 رابعًا: أبرز التحديات التي تعرقل الوصول إلى صفقة

هناك تحديات قد تعطل الوصول إلى صفقة لعل أهمها ما يلي:

1.تمسك كل طرف بشروطه.

2. خشية نتنياهو في التعاطي مع اثنين من السيناريوهات:

السيناريو الأول: استلام الجنود أحياء فماذا سيقول لعوائلهم وللرأي العام الإسرائيلي الذي أبلغهم بأنهم قتلوا وضغط عليهم لفتح بيوت عزاء لهم.

السيناريو الثاني: أن يكونوا قتلى، وهذا يتوقف على حجم الثمن الذي سيقدمه نتنياهو للمقاومة الفلسطينية وأثر ذلك على الرأي العام الإسرائيلي.

3. هناك أطراف لا تريد أن تسجل حركة حماس إنجازات تساهم في تقويتها وتعزز حضورها شعبيًا في ظل تعقيد المشهد السياسي محليًا وإقليميًا ودوليًا.

4. عدم تشكيل عوائل الجنود الصهاينة لوبيات ضغط على حكومتهم، كما قامت به عائلة الجندي جلعاد شاليط، وكان لتلك الضغوط تأثير كبير على دفع نتنياهو استحقاقات الصفقة وثمنها للمقاومة الفلسطينية ممثلة بحركة حماس.

 الخلاصة:

أعتقد أن عام 2020م، ممكن أن يشهد تقدمًا في ملف صفقة التبادل، وهو ما يتمناه كل إنسان على هذه المعمورة، ما يريده شعبنا الفلسطيني أن ترسم البسمة على شفاه أكثر من 5000 أسير وأسيرة فلسطينية قضوا زهرة شبابهم في السجون الإسرائيلية لمقاومتهم ومناهضتهم للاحتلال، وفي نفس الوقت لا أعتقد أن المقاومة ترغب في الاحتفاظ بهؤلاء الجنود إلى مدى الحياه فهي تريد إعادتهم لأمهاتهم مقابل أن يتم دفع الثمن لتلك الصفقة، فطالما البيئة المحلية والإقليمية والدولية داعمة لإبرام تلك الصفقة، فيا ترى ما المعطل الحقيقي لها؟ وكيف من الممكن تجاوز كل التحديات التي تعترض طريقها؟ الفعل الحقيقي هنا لعوائل الجنود الصهاينة ومدى قدرتهم على التحرك في هذا التوقيت الحساس للضغط على الحكومة الإسرائيلية ومساعدة نتنياهو عبر تشكيل رأي عام ضاغط وداعم لإبرام صفقة تبادل ( وفاء أحرار 2 ).