حينما تسلل فيروس "كورونا" بخفة وهدوء إلى فلسطين المحتلة من نافذة مدينة الثقافة والسياحة، بيت لحم، عاقبة دخول سُياح أجانب إليها يحملون الفيروس، أمسكتُ بهاتفي المحمول وسارعتُ إلى تويتر لأطلق تغريدة مُتجمعة بهذه الكلمات: هذا ما ينقص الفلسطينيين، مرضان لعينان في آن واحد، واحد متجذر وينهش بجسدهم ويموتهم في أي وهلة، وآخر وباء مستجد ومميت. واختتمتها بالقول: كان الرب بعونهم.

وفي صلب فكرتي المثيرة لهاجسي، أكتب أنه كان لا بد أن يصل الوباء وأن يتفشى وأن يُخيف وأن يشغل الفلسطينيين بدرجة قصوى، كما يحصل الآن، ويجبرهم على نسيان مرضهم المُتأصل (الاحتلال) ولو قليلاً ووضعه جانبًا لفترة غير معلومة. وحراكهم السائد اليوم يقول إنهم يرغبون في إثبات جدارتهم حتى يُقال عنهم أنهم مؤهلون للدولة الممسوحة، وحقًا سلكوا مشوار التحدي لقطع الطريق أمام فيروس "كورونا" الجديد الذي أصبح، وفق وصف منظمة الصحة العالمية كجائحة عالمية، والذي ربما ينتشر في باقي المدن الفلسطينية، إذا استهان به المواطن الفلسطيني وتراخت جهود الوقاية منه.

وهذا اللعين، عرى الجسد الفلسطيني العالق بين قبضتين متينتين متباعدتين ذهنيًا وشكليًا وتابعتين لجسد واحد، بمعنى: قبضة مُحكمة بعصب أوتاره فتحاوية، (أي فتح التي تتزعم مؤسسات السلطة بالضفة الغربية وتولي على منظمة التحرير الفلسطينية لتكون بالآخر هي الوصية والمقررة، أما الأخرى قبضة مُحكمة بشدة وبأمر من حركة حماس باعتبارها المسيطرة على قطاع غزة، دون النظرة إلى حال الجسد الممزق والمنهوش ذاتيًا من أعضائه ومن قرب إسرائيل قوة الاحتلال. فالقبضتان بإبهامهما عن بعضهما حكما على المنعوت ببداية الفقرة، تنفيذ مهمة التعري والفضح من بعيد. واللافت للعيان أن مهمته أصلاً تنحصر في جسد الإنسان ليصيبه بمرض عُرف عالميًا بـ "كوفيد 19".

قد يسأل البعض، ماذا فعل اللعين، لنفهم ما سُلف من تعبيرات؟، لأظهر صورة مخجلة تسيدها زعيم غزة، عقب إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس بداية شهر مارس الجاري من قلب رام الله، حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية لمدة ثلاثين يومًا بعد رصد حالات إصابة بفيروس "كورونا" في بيت لحم.

وهمة اشتية رئيس الحكومة التي صنعتها "فتح"، من المفهوم الواقعي، بدأت تعلو واستعد إلى تطبيق القرار الرئاسي بحذافيره، فيما أعلن عن تدابير في كافة الأراضي الخاضعة للسيطرة الفلسطينية للوقاية من الفيروس، من ضمنها إغلاق كل المدارس والكليات ورياض الأطفال وإلغاء حجوزات السياح الأجانب.

ليأتي الرد السريع، الذي كون صورة نمطية رسمت بريشة حزبية جافة اعتدنا على استخدامها من سنوات، حين اجتهدت وسيلة إعلامية حزبية تتبع للزعيم الأخضر، وسألت مسؤول المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، عن إذا كان قرار حالة الطوارئ الصادر من رام الله، يسري على غزة أم لا، ليجيب المسؤول: أن القرار القاضي بتعطيل المرافق التعليمية ومنع التجمعات وغيرها يطبق فقط في المناطق المكتشف فيها فيروس "كورونا". وأتى بالإجابة الصريحة من الآخر، أن القرار لا يسري على غزة، لاعتقاده أنها خالية من الفيروس.

فيأتي الرد من قبل المتحدث باسم حكومة اشتية برام الله الذي قال إن قرار الرئيس بإعلان الطوارئ يشمل كل المحافظات بما فيما قطاع غزة باعتباره جزء من الوطن ومحافظاته.

ولم يكن "كورونا" في باله أن يظهر للعالم بأن للفلسطينيين دولتان، وهم راسخون تحت الاحتلال، بل فرض عليه الواقع الفلسطيني المتشرذم رغم انشغالاته وانتشاراته، مهمة فضح جسد "ممزق"، لكن تلك المهمة لم تطل كثيرًا وتعطلت، لاستجابة حاكم غزة لقرار حالة الطوارئ، وهذا ما لمسته من تصريحات قيادي بارز في حماس التي قال فيها: قررت الحركة التوجه والتواصل مع الجهات الحكومية في القطاع ومطالبتها بإغلاق المدراس حتى نهاية الشهر الجاري وكذلك أخذ كل التدابير اللازمة والاحتياطات المطلوبة في مواجهة هذا الوباء العالمي استشعارا بالمسؤولية وايمانا من قيادة الحركة بضرورة وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة المخاطر . ثمة تنويه صغير أجبرتني سطور الفقرة عليه، وهو أن حماس إعلاميًا تنسلخ عن مؤسسات غزة الحكومية وواقعيًا هي الزعيم والمقرر.

وصلت إلى النهاية.. التقارير الطبية تؤكد خلو قطاع غزة من أي إصابة بفيروس كورونا، والحاكم هناك يستعد إعلاميًا للمحاربة، والآخر في رام الله يحارب ويشدد إجراءاته الوقائية، خشية من تزايد عدد الإصابات بالفيروس، لكن هذا وذاك يظلان سقيمين ويسقيمان ولا يشفيان جسدًا ممزقًا، رفيقه الوحيد الوجع. وقبل أن أختم، سأعترف بخيانة "كورونا" لي على تويتر دون الشعور بذلك، وجعلني سيئ التقدير عندما اعتبرت أن الفلسطينيين يعانون من وبائيين ونسيت وقتها أن هناك، وباء ثالث وهو شرخهم بأنفسهم.